العنصرية بين الخليجيين وبقية العرب

العنصرية بين الخليجيين وبقية العرب

22 اغسطس 2016

يوسف زيدان.. ضجيج طنجة ثم توضيح في "فيسبوك"

+ الخط -
أثار حديث الكاتب المصري، يوسف زيدان، في ندوةٍ في طنجة أخيراً، ضجةً في الخليج. انتشر مقطع فيديو لزيدان وهو يتحدث عن اللغة العربية، ويؤكد أن قلب الجزيرة العربية لم يعرف الحضارة أبداً، وأنه حتى ظهور الإسلام كان يُنظر إلى سكان هذه المنطقة بوصفهم "سُرَّاق إبل". ثارت ثائرة مجموعة كبيرة من الخليجيين عموماً، والسعوديين بالذات، وهاجموا زيدان في مواقع التواصل الاجتماعي، فاضطر للتوضيح، في صفحته في "فيسبوك"، أن كلامه اقتُطِعَ من سياقه، وأنه، بعد كلامه حول تاريخ الجزيرة، المذكور في عدة مصادر، شدَّد على أن هذا لا يعيب مواطني السعودية اليوم، وأن في السعودية ثاني أكبر عدد من قراء مؤلفاته بعد مصر، وأنه يعتز بأهله هناك.
تذكّرنا هذه الضجة بقضيةٍ راجت كثيراً ضمن النقاش الثقافي بين مثقفين من الخليج وآخرين من مصر والشام، وهي التنميط لمثقفي، أو حتى مواطني، بلدانٍ عربية بعينها، ومسألة الاستعلاء الثقافي والنظرة الدونية التي ينظر بها بعض مثقفي العرب للخليجيين، والاستعلاء الخليجي المقابل. لا بد من القول إن هذا النوع من التنميط هو أسوأ ما يمكن، حين يصدر من مثقفين، لأنه يغلف كلاماً ينضح بالعنصرية وغياب الرؤية العقلانية، ويندمج في عمليات تهييج شعبوي واستعداءٍ للناس على بعضهم. لنتذكّر مثلاً كيف ساهم مثقفون في تهييج عواطف الناس، قبل مباراة كرة القدم بين مصر والجزائر وبعدها في العام 2010، والتوصيفات التي أطلقها هؤلاء تجاه شعب عربي بأكمله، ومساهمتهم في إشعال الأحقاد، بدلاً من تهدئة الخواطر، ومواجهة هذه المعركة المصطنعة.
ولا بد من التذكير أن أي نقاشٍ من هذا النوع، تُستَدعى فيه الهويات القُطرية، ويتم الحديث فيه عن الحضارة والثقافة بنبرة استعلائية، يجري اليوم في خضم انهيار هذه الهويات، وتبيُّن خوائها وعدم تماسكها، وقد اتضح أن "الحضارات المتحفية" وهوياتها، مثل البابلية والسريانية والفينيقية والفرعونية، والتي كانت أدواتٍ لممارسة استعلاءٍ ثقافي، كما كانت بدائل مُقَدَّمة للهوية العربية سياسياً وثقافياً، ليس لها قدرة على ضمان حدٍّ أدنى من التماسك الاجتماعي، والتأثير في الناس وصناعة ذاكرتهم ومخيالهم الجمعي، وبعض المحاولات لاستخدامها اليوم هي لضخ الحياة في جسدٍ ميت، ضمن حالة إنكار لواقع الحال.
بعض المثقفين العرب في مصر والشام لديهم هاجس المركز والأطراف في الوطن العربي، على المستويين السياسي والثقافي، وحديثهم دائمٌ عن حواضر تاريخية للأمة. هذا قديمٌ ومعروف، لكن ما يمكن ملاحظته، في السنوات الأخيرة، تشكل حالةٍ "مشرقية" جديدة، هي نوعٌ من الإحياء لقومية سورية، تحدّد مفهوم المشرق بحدود الهلال الخصيب، وتعتبر مصائب المشرق اليوم ناتجةً عن تصدير الثقافة الصحراوية القادمة من الجزيرة العربية، ممثلةً بالغزو "السلفي الجهادي"، لا عن خطايا تراكمت وأسهمت في تآكل شرعية الدولة العربية عموماً، والهلال الخصيب جزءٌ من هذه الأزمة العربية، ولا في إطار مواجهة عربية، لا سورية فقط، مع مشروع استعماري.

التفسير الثقافوي الاختزالي، والتبسيطي، لنشوء جماعات العنف السياسي الإسلامية يمنع هؤلاء من رؤية تعقيد الظاهرة، بعواملها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ولو جارينا هؤلاء في هذا التفسير الذي يدّعي تصدير ثقافةٍ دينيةٍ صحراوية، نشأت في بيئة الجزيرة العربية، وهو تفسير جوهراني، لا يراعي التغيرات التاريخية، لوجدنا أن أصل هذه المدرسة الدينية عند ابن تيمية، وهو من الشام وليس من الجزيرة.
يمكن تقديم نقدٍ جدّي لوضع الثقافة والمثقفين في الخليج، وتعلق هذا الوضع بنمط الريع السائد والارتباط بالرأسمالية العالمية وثقافتها، مثلاً، لكن الحديث عن ثقافةٍ صحراوية، وما إلى ذلك، هو سبابٌ عنصريٌّ، لا علاقة له بالنقاش الفكري الموضوعي. في المقابل، ينحو بعض من يقدمون أنفسهم مثقفين في الخليج إلى استعلاءٍ ماديٍّ على المثقفين العرب، وهم يرون كل مثقف عربي قابلاً للشراء، وكل من ينتقد سياسات دول الخليج راغباً في الابتزاز المالي. وصحيح أن هذه ظاهرة موجودة، لكن تعميمها على جميع من ينتقد مشكلة، وتنميط شعوبٍ بأكملها بشكل شعبوي رخيص وقاحةٌ ومشكلةٌ أخرى، كما أن نقد السعي إلى المال، من دون نقد فكرة شراء المواقف بالأموال، مشكلةٌ ثالثة.
لا يتوقف الأمر على المثقفين الخليجيين الدائرين بشكل صريح في فلك السلطة، فاليوم نَجِدُ من يقدّمون أنفسهم مثقفين "مستقلين"، يواجهون كل نقد في الإعلام العربي، أو الغربي، للسياسات الخليجية، باعتبارها جزءاً من نظرة "استشراقية". وعلى الرغم من أن بعض ما يكتب استشراقي بالفعل، إلا أن هؤلاء ابتذلوا مفهوم الاستشراق، كما فعلوا مع مفاهيم أخرى، وبات نقد السياسات الخليجية وسلوك بعض أجهزة الدولة في الخليج من كتابٍ عرب أو أجانب، وليس الحديث الجوهراني عن ثقافة الخليجيين، استشراقاً أيضاً، حيث يصبح سلوك جهاز الدولة والثقافة المجتمعية شيئاً واحداً عندهم.
كذلك، يصرّ هؤلاء على الرد على كل نقدٍ عربي لظواهر في الخليج بوصفه منطلقاً من جهلٍ بالخليج، والقول إنكم لا تفهمون الخليج بعمق، ليس كافياً لمحاججة الآخرين، فضلاً أن هؤلاء لا يملكون، في الغالب، رؤية معمقة، أو تفسيراتٍ متماسكة لما يحدث في الخليج أو في المنطقة عموماً.
أهم ما يمكن استنتاجه من هذا التنميط هو مستوى النقاش الثقافي العربي حالياً.
9BB38423-91E7-4D4C-B7CA-3FB5C668E3C7
بدر الإبراهيم

كاتب سعودي. صدر له كتاب "حديث الممانعة والحرية"، و"الحراك الشيعي في السعودية .. تسييس المذهب ومذهبة السياسة".