عندما تستعيد إسرائيل عدوانها على غزة

عندما تستعيد إسرائيل عدوانها على غزة

03 اغسطس 2016
+ الخط -
يكتمل في هذه الأيام عامان على العدوان الإسرائيلي في صيف 2014 على قطاع غزة، واستمر من الثامن من يوليو/ تموز، وحتى السادس والعشرين من أغسطس/ آب، وأطلقت إسرائيل عليه عملية الجرف الصامد، فيما أطلقت عليه كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، معركة العصف المأكول، بينما أطلقت عليه سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، معركة البنيان المرصوص، إلا أن تداعياته وآثاره لم تنته بعد، سواء على مجمل الحياة في قطاع غزة الذي لا يزال تحت الحصار، وما زالت عملية إعادة الإعمار تسير ببطء. وقد أدى ذلك العدوان الهمجي إلى استشهاد أكثر من 2200 فلسطيني، وإصابة الآلاف، من بينهم مئات الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير واسع للبنية التحتية في قطاع غزة. وفي الجانب الإسرائيلي، أدى العدوان إلى مقتل حوالى 72 إسرائيلياً وإصابة المئات، معظمهم من الجنود في أثناء عمليات القتال، وأُسر جنديان، ما زال مجهولاً إن كانا على قيد الحياة أم لا. واستهدفت المقاومة بصواريخها تجمعاتٍ ومراكز ومنشآت إسرائيلية حساسة، منها مطار بن غوريون، مما أدى إلى إغلاقه يومين، خشية إسقاط طائرات مدنية، في أثناء هبوطها أو إقلاعها، الأمر الذي تم اعتباره إسرائيليا أكثر التحدّيات التي واجهتها إسرائيل في العقود الأخيرة من المواجهة الإسرائيلية مع القوى العربية عموماً، والفلسطينية تحديداً.
بعكس الحروب التي شنتها إسرائيل سابقاً على الدول العربية، وعلى الفصائل الفلسطينية، والتي كانت تبدو كأنها متماسكةً ومنسجمة مع نفسها، ومع مجتمعها، للحفاظ على تماسك المجتمع، ورفعاً لمعنويات جنودها، فقد برزت نقاشاتٌ وسجالاتٌ كثيرة بين أطراف الحكومة الإسرائيلية في أثناء الحرب، حيث بدا واضحاً وجود انقسام بين أعضاء المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر، الذي كان يتابع ويدير مجريات الحرب أولاً بأول، كما برزت أيضاً اختلافات كبيرة بين الأجهزة الأمنية الإسرائيلية حول قضايا عديدة متصلة بالحرب، والاستعداد لها ومجرياتها، خصوصاً بين جهاز المخابرات العامة (الشاباك) والاستخبارات العسكرية التابعة للجيش الإسرائيلي، حول كيفية الاستعدادات والخطط الرامية إلى مواجهة الأنفاق التي حفرتها فصائل المقاومة الفلسطينية، استعدادا لأية مواجهة مقبلة، حيث ادّعى "الشاباك" أن الجيش وأذرعه المختلفة لم يتعاط بالجديّة المطلوبة مع تحذيراته من المخاطر التي ستشكلها الأنفاق على الجيش، وعلى المستوطنات الإسرائيلية المحيطة بقطاع غزة. وفي السياق نفسه، ادّعى أعضاء في المجلس الوزاري المصغر للحكومة الإسرائيلية في حينه، وخصوصاً أفيغدور ليبرمان ونفتالي بينيت، أن رئيس الحكومة ووزير الجيش في حينه، موشي يعلون، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي، بيني غانتس، تعمدوا إدارة الحرب بمفردهم، ومن دون إطلاع باقي الأعضاء على ما يجري في ساحة المعركة، وأن رئيس الحكومة ووزير الجيش ورئيس الأركان أخفوا معلومات ومعطياتٍ كثيرة عمّا يجري عنهم، وخصوصاً قضية الأنفاق، وقضايا أخرى، ومنها اقتحام عدد من أعضاء وحدات الكوماندوز البحري التابعة لكتائب الشهيد عز الدين القسام قواعد عسكرية، قاعدة زيكيم تحديداً.
أدت إطالة أمد المواجهة واستمرار تعرّض التجمعات الإسرائيلية لسقوط صواريخ المقاومة،
واستمرار عمل الأنفاق، إلى زيادة حدّة الانتقادات الإسرائيلية تجاه الحكومة والجيش، وخصوصاً تجاه رئيسها، بنيامين نتنياهو، والذي وصلت إلى ذروتها، قبل أيام، عندما تعرّض نتنياهو لهجومٍ كبير ولاذع من أهالي الجنود القتلى والمصابين والأسرى، حيث جرى ذلك في أثناء إلقاء نتيناهو كلمةً في احتفالٍ تأبيني للجنود الذين سقطوا في الحرب، حيث حمله كثيرون مسؤولية مقتل أولادهم ، فيما قال والد أحد الجنود المأسورين لدى حركة حماس لنتنياهو إنه لو كان الجندي المأسور نجل نتنياهو، لما بقي في الأسر حتى يومنا هذا.
وتزامن تصاعد الانتقادات مع الحديث حول تقرير ما يسمى مراقب الدولة عن الحرب، والذي وصفه كثيرون ممن اطلعوا على مضمونه، بأنه قد يشكّل قنبلةً موقوتةً ضد نتنياهو، ووزير جيشه ورئيس أركانه، لما تضمنه من إخفاقات كبيرة لهم، سواء في الاستعداد للحرب أو في إدارتها، حتى أن متابعين ومحللين عسكريين وصفوه بأنه أخطر بكثير من تقرير لجنة فينوغراد، الذي حقق في إخفاقات الجيش الإسرائيلي والحكومة في حرب يوليو/ تموز 2006، والذي اعترف بكثير من مظاهر الإخفاق والفشل للمستويين السياسي والعسكري في حينه، حيث أدى تسريب محتويات تقرير مراقب الدولة إلى مواجهةٍ حامية بين نتنياهو والمقربين منه من جهة، وبين مراقب الدولة من جهة أخرى، ففي وقتٍ يحاول فيه نتنياهو رفض ما جاء في التقرير، واتهام مراقب الدولة بأنه يعرّض أمن إسرائيل للخطر من خلال التقرير، والذي يكشف عن أن إسرائيل لم تكن جاهزة نهائياً للحرب، سواء بقدرة الجبهة الداخلية الإسرائيلية على مواجهة (وتحمّل) شهرين من سقوط الصواريخ، ولا من حيث القدرة على مواجهة الأنفاق واختراق فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة خطوطها، فيما برزت أصواتٌ كثيرة في المجتمع اليهودي تطالب بتشكيل لجنة تحقيق رسمية وحيادية للتحقيق في الإخفاقات التي كشفها التقرير.
مرور عامين على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لم ينه تداعياتها وآثارها على إسرائيل، وما تسمى هيبة ردعها الذي تدّعيه إسرائيل منذ نهاية الحرب، وزاعمة أن الهدوء الحالي مع قطاع غزة كنتيجة الردع الذي حققته تلك الحرب، ومع أن أبواقاً عربية تحاول، ليل نهار، تصوير ما حدث هزيمةً لفصائل المقاومة الفلسطينية، وانتصاراً إسرائيلياً مستغلةً العدد الكبير من الشهداء والجرحى الفلسطينيين الذين سقطوا في العدوان، إلا أن التقرير يكشف عن أن إسرائيل ذهبت إلى حربٍ، من دون الاستعداد لها، ولا معرفةٍ دقيقةٍ بقدرات فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وبدأت الحرب، لكنها فشلت في إنهائها بعد أيامٍ من اندلاعها، ولم تتمكّن من إبقاء الحرب على الأرض الفلسطينية فقط في غزة، لا بل إن نصف إسرائيل كانت ساحة حرب أيضاً. لذلك، بات واضحاً أن الحراك الذي تعيشه إسرائيل في الذكرى الثانية لتلك الحرب القاسية، والذي يتزامن أيضاً مع الذكرى العاشرة لحرب تموز/يوليو على لبنان، سيتحوّل فشلاً كبيراً، ونقطة سوداء، في صفحات نتنياهو ويعلون وغانتس، على الرغم مما ألحقوه من دمار كبير في قطاع غزة، لأن إسرائيل لا تأبه كثيراً للدمار في الجانب الفلسطيني، بقدر ما يعنيها أن تنتهي الحرب، من دون خسائر إسرائيلية، وهذا ما لم يحصل بشهادتهم هم.