ناهض حتّر المثقف المستقوي على الضعفاء

ناهض حتّر المثقف المستقوي على الضعفاء

19 اغسطس 2016

ناهض حتر في ضيافة بشار الأسد

+ الخط -
لا فرق بين تفسير الكاتب الأردني، ناهض حتّر، الرسم الكاريكاتوري الذي نشره على صفحته في "فيسبوك"، والصورة النمطية التي يحاول بعض دعاة التطرّف في الغرب تعميمها. ملخص الأمر أن الإله الذي تعبده الأكثرية في منطقتنا مصنوع من رغبات ونزوات، وهو ليس الإله الحقيقي الذي يعبده أبناء الديانات الأخرى، هو مجرد انعكاس لصورتنا، نحن الشعوب المجرمة والمنحرفة.
وبعكس أضرابه الذين كانوا يتوارون خلف شعارات المقاومة والتقدمية، وحاولوا عدم الانزلاق إلى المطب الذي يظهر عداءهم الأكثرية، لم يجد ناهض حتّر أي حرج في إطلاق العنان لمشاعره، وإظهار حقده تجاه كل الذين ثاروا على نظام الأسد، إلى درجة أنه لم يجد مشكلةً في التعرّض لأخلاقهم وأعراضهم، حتى عندما قدّمت صحيفة لبنانية اعتذارها عن مقالةٍ نشرها، ويسيء فيها للاجئين السوريين، لم يكن منه إلا أن يستنكر ذلك، ويرد بمقالة بعنوان "الاعتذار ممن؟"، فقد وصل به الأمر إلى حد تجريد أولئك من إنسانيتهم، إلى درجة أنه رأى في اعتذار الصحيفة خطأ وتنازلاً غير مقبول.
على ذلك، من الطبيعي أن يكمل حتّر في هذا السياق، ويصل إلى الحد الذي وصل إليه، ذلك أنه، طوال المدّة الفائتة، راكم كماً هائلاً من الاستسهال في التحليل والقراءة، إلى درجةٍ أخلت حتى بتقنيات المهنة، وبات يعتقد أن النقد الذي يوجّهه له حتى الذين يتبعون نهجه السياسي والفكري دلالة على إشكالية الأفكار التي يطرحها، وإثباتاً لسجاليته التي لا يفوقه أحدٌ فيها، وكان هذا الاعتقاد عاملاً أساسياً في زيادة غرقه في الاستسهال الذي أوصله إلى ما وصل إليه.
لكن، هل حقاً يمكن إطلاق صفة الكاتب الإشكالي على ناهض حتّر؟ كان الرجل يعمل ضمن نسق فكري سياسي محدّد، وهو لم يختلف كثيراً عن هواةٍ صغار اشتغلوا في النسق نفسه، وملأوا الدنيا مزاودةً وشتماً على منابر كانت تشتري هذا النمط من الإنتاج الإعلامي، اشتغلوا على صندوق أدواتٍ جرى تصنيعه ضمن مختبرات أجهزة المخابرات الإقليمية، وفي إطار توجيهات وأوامر صادرة من فوق. بالطبع، لا يعني ذلك عدم مساهمة حتّر وأضرابه من تغذية صندوق الأدوات ذلك ببعض المصطلحات والمفاهيم، لكنها لم تخرج جميعها عن السياق العام لعمل تلك الأجهزة.
لم يصدر عن حتّر يوماً انتقاد واحد للخط السياسي الذي يؤيده في المنطقة. إذن، ما هذا المثقف
الإشكالي الذي، من المفترض، أنه يقف على مسافةٍ واحدةٍ في مناصرة الحقيقة، ونقد الأخطاء، أياً يكن مصدرها، والجهة التي تقف وراءها. نعم لاحظنا في نتاجات حتّر تهجماً كثيراً على ثوار سورية، وعلى السوريين المعارضين لنظام الأسد، كما لم يوفر منظمة التحرير الفلسطينية، ليس بوصفها شخوصاً لهم ممارسات قد يخطئون ويصيبون بها، بل بما تمثله المنظمة، ولم تكن حركة حماس، المفترض أنها محسوبة على خط المقاومة، بعيدةً عن شتائمه الدائمة. ويبدو أن البعد الإشكالي في نتاج حتّر يتوقف على الأطراف التي يعتقد أنها الأضعف في دائرة الصراع، إلى درجةٍ، وصل معه الأمر إلى الاعتقاد أن معتقد الأكثرية الآن في أضعف مراحله، وخصوصاً في الأردن الذي لديه إشكاليات سياسية مع جماعة الإخوان المسلمين!.
منذ بداية الربيع العربي، تحوّل ناهض حتّر إلى كاتب بيانات لدى الجهات التي تعادي الربيع، ولم يكن ثمّة ما يميزه عن غيره من أبواق هذا التيار، فعلى الرغم من اختلاف مستوى الثقافة لديه عن كثير من جهابذة ذلك التيار الذين ظهروا فجأة، إلا أنه اندمج في هذا التيار، وتحوّل إلى شتام ومحرّف للحقائق، محاولاً تركيب واقعٍ ليس موجوداً بالأصل، إلى درجة أنه راح يخترع لنظام الأسد صفاتٍ ومزايا لا علاقة له بها، لو كانت موجودةً لديه، لما فكّر السوريون بالثورة عليه من الأصل.
لكن حتّر يختلف عن بقية زملائه بالطموح الذي يحرّكه وبتصوره عن نفسه، وأنه يستحق أكثر من مجرد كاتب. لذا، كان يسعى إلى الحصول على صفةٍ سياسيةٍ في إطار الحلف الذي يؤيده، ولم تصنع له نشاطاته في هذا المجال، عبر تأسيس "المجلس الأردني للشؤون الخارجية" لتنظيم "الدبلوماسية الشعبية"، ولا زياراته المتكرّرة إلى دمشق تلك الصفة، ولم تعطه امتيازاتٍ مهمة، ربما لأن إيران والأسد لا يثقون إلا بنمط المثقفين الذين يجري تصنيعهم من خلال مؤسساتهم الخاصة، أما الذين يأتون من خارج تلك الأطر فليسوا أكثر من مياومين بالقطعة، وربما وصل حتّر إلى هذه القناعة، ورأى نهاية فكرته "الهوية المشرقية" التي تدمج إيران بمجتمعات الشرق العربي، وتخرج الغالبية العربية في المشرق نفسه من أطر تلك الهوية، أو تحوّلها إلى كم خاضعٍ، بحكم تخلفه وخيانته منظومة القيم التي يرسمها حتّر، هويةً إقليميةً طائفيةً تشكّل التعبير الملطّف لتحالف الأقليات السيئ السمعة، والتطبيق العملي لمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي طالما انتقده ناهض حتّر نفسه، واتهم ثورات الربيع العربي بأنها تشكّل تطبيقاته العملية.
ختاماً، نتاجات حتّر تضعه في قائمة الكتاب المؤيدين لجرائم الحرب، وليس أنصار الحرية والديمقراطية وقبول التعدديّة.

5E9985E5-435D-4BA4-BDDE-77DB47580149
غازي دحمان

مواليد 1965 درعا. كتب في عدة صحف عربية. نشر دراسات في مجلة شؤون عربية، وله كتابان: القدس في القرارات الدولية، و"العلاقات العربية – الإفريقية".