الانتخابات الأميركية.. تحليل مبكر

الانتخابات الأميركية.. تحليل مبكر

18 اغسطس 2016

رئاسة كلينتون المقبلة هي الثالثة لباراك أوباما (16أغسطس/2016/Getty)

+ الخط -
يمكن أن نقول إن هيلاري كلينتون هي الرئيس الأميركي القادم. ظهر تماسك الحزب الديمقراطي ووقوفه خلف المرشح الذي حصل على دعم الحزب، بينما ظهر أن الحزب الجمهوري منقسم في الموقف من مرشحه دونالد ترامب، حيث بدأ التشكيك في قدرته على الحكم من داخل الحزب نفسه، ومن مواقع وازنة فيه.
ما ميّز الاستعداد للانتخابات من كلا الحزبين هو الاستقطاب الشديد بين يمين متطرّف (ومهووس) ويسار استبعد في اللحظات الأخيرة، أقصد هنا بيرني ساندرز الذي كان منافساً قوياً، إلى اللحظات الأخيرة، وقيل إن الهيئة المشرفة على اختيار ممثل الحزب الديمقراطي لمنصب الرئاسة أسهمت في استبعاده. تشير هذه الوضعية إلى مأزق أميركي كبير، لا شك في أن الأزمة العميقة التي تحكم الاقتصاد الأميركي (وبالتالي العالمي)، التي انفجرت في سبتمبر/ أيلول سنة 2008، وفرضت نجاح باراك أوباما، من دون أن تُحلّ، هي التي فرضت إيقاع التصويت في جولة اختيار مرشحي الأحزاب، حيث أظهرت أنها تدفع فئاتٍ مجتمعيةً إلى التطرف اليميني، ومعاداة المهاجرين (على الرغم من أن أميركا أمة من المهاجرين)، هي الفئات التي فرضت اختيار ترامب مرشح الحزب الجمهوري، على الرغم من رفض قطاعات أساسية في الحزب له، ومن ثم فرضت تخلي جزءٍ من الحزب عن انتخابه، مع أنه مرشح الحزب، بل أن يجري الضغط من أجل استبعاده. وتصب هذه الوضعية في مصلحة مرشح الحزب الديمقراطي بالتأكيد، الحزب الذي ظهر أنه يعاني من انقسام حادٍ بين التيار الذي يريد استكمال سياسة باراك أوباما، والتيار الذي يريد للحزب أن يسير نحو "اليسار" أكثر مما ظهر مع أوباما الذي استطاع أن يوقف آثار الأزمة المالية، ويحسّن جزئياً في وضع الاقتصاد، على الرغم من أنه لم يجد حلاً للأزمة، وعمل على إدارتها (أي أن يؤخّر انفجاراً جديداً، وأن يقلل من آثاره إذا ما انفجر).
وربما يمكننا القول إن تحالف الاحتكارات ومراكز الدراسات (التي تمثل الطغم الرأسمالية) قد أثّر كثيراً في مسار اختيار المرشحين، حيث أنه يريد أوباما جديداً، ولا يريد من هو أسوأ من "المحافظين الجدد". لهذا ركّز على إنجاح كلينتون (حتى عبر تزوير "صغير" لمصلحتها يبعد ساندرز)، وربما أيضاً على إنجاح ترامب، لكي لا يكون قادراً على المنافسة أصلاً. تريد الطبقة المسيطرة أوباما جديداً، بالضبط، لأنه استطاع أن يهدئ من الأزمة، واشتغل على إعادة موضعة أميركا في الجيوبوليتيك العالمي. لهذا كانت كلينتون هي الاستمرار لسياسة أوباما، خصوصاً أنها شاركت في رسمها في رئاسة أوباما الأولى.
وإذا كانت أميركا لا تزال غير قادرةٍ على استيعاب رئيس "يساري"، على الرغم مما قيل عن أوباما حين وصل إلى سدة الرئاسة، فإن ما يظهر واضحاً، هنا، أن في أميركا مساراً لكسر تابوات قاسية حكمت بنيتها السياسية قرنين، كان أولها وصول رئيس "أسود" هو باراك أوباما (بعد إدخال مسؤولين مهمين من "السود" في مناصب رفيعة). ويبدو أن ثانيها هو وصول "رئيسة" (بعد أن وصل عدد من النساء إلى مناصب رفيعة)، ما يجعلنا نقول إن بنيةً قديمة تتكسر لمصلحة "تحرّرية" تخلص أميركا من عقدها التي نشأت معها. ولا شك في أن ذلك يتطابق مع "شخصية" كلينتون التي تناولتها قبلاً.
ما أشير إليه هو أن وضع أميركا المأزوم اقتصادياً يفرض أن يكون الرئيس من النخب القابلة بـ"انكفاء" أميركا، وتركيزها على آسيا والمحيط الهادئ، بلا مغامرات المحافظين الجدد أو "جنونهم".
هل سيغيّر نجاح كلينتون من سياسة أميركا تجاه سورية؟ لا، بكل تأكيد، فليس الرئيس هو من يحدّد السياسة، بل مراكز الاحتكارات، وتأتي بالرئيس الذي يوافق على تحقيق السياسة. بالتالي، يمكن القول إن رئاسة كلينتون هي الثالثة لباراك أوباما، بغض النظر عن الاختلافات الجزئية التي يمكن أن يفرضها تكتيك الاحتكارات.