لا تثقوا بالأميركيين

لا تثقوا بالأميركيين

13 اغسطس 2016

لم يتغير الأميركيون في تعاطيهم مع مختلف القضايا (Getty)

+ الخط -
لا أحد، تقريباً، يريد التعلّم من التاريخ في التعامل مع الأميركيين، كما لا أحد تقريباً يرغب في التعاطي ببراغماتية تكتيكية مع اليانكيز، في القضايا الاستراتيجية. ما طرحه الأميركيون، أخيراً، عبر مبعوثهم إلى سورية، مايكل راتني، على الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، لا يخرج عن سياق التصرّف الأميركي الاعتيادي.
دعا راتني، ومن اسطنبول، "الائتلاف"، إلى "الاستماع للروس"، وإلى "ضرورة بناء علاقة مع رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، صالح مسلم"، انطلاقاً من الأوضاع الميدانية في مدينة حلب أخيراً. بالطبع، كان ردّ فعل "الائتلاف" إبداء الذهول مما يطرحه المبعوث الأميركي، لكن التاريخ والوقائع يؤكدان أن الأميركي يبقى أميركياً.
لم يتغير الأميركيون في أساليب تعاطيهم في مختلف القضايا. وهم، بعد الاتفاق مع الروس سورياً، يعتبرون موسكو "حليفاً سرياً" هناك، حتى أن التحركات العسكرية الروسية لم تكن لتأتي لولا الموافقة الأميركية الضمنية. "يمكن" للروس الضرب في دول القوقاز أو جورجيا وأوكرانيا، وربما لاحقاً في دول البلطيق، من دون الحاجة لموافقة واشنطن، لكن التحرك في سورية، يستدعي ضوءاً أخضر أميركياً.
يُمكن متابعة المسار الأميركي في سورية، من خلال التعامل العسكري مع المعارضة. كل ما فعلته واشنطن كان إنشاء جيش موالٍ لها في سورية، وتركيزها قواعد عسكرية صغيرة في مناطق تابعة لـ"قوات سورية الديمقراطية". لم تهتم واشنطن لمصير رئيس النظام، بشار الأسد، ولا حتى لسير العمليات العسكرية في المدن الكبرى. كل ما أرادته هو محاولة كسب الجميع إلى جانبها، وإشعار الجميع بأنهم في حاجة إليها، وأن عدم حاجتهم إليها يجعلهم يخسرون الكثير.
وكعادة من سبقهم، ومن سيلحقهم، وضع بعض المعارضة السورية ثقتهم بالأميركي، من دون البحث عن بدائل أخرى، قد تكون أكثر نجاعة، أو تسمح في توسيع مجال المناورات السياسية. وحين أمّنت واشنطن تلك المعارضة بالكامل لجهتها، بدأت بدفعها نحو الحلول التي تناسب الروس والنظام السوري. وهو ما تجلّى في اجتماعات وزير خارجية واشنطن، جون كيري، في السعودية وروسيا وفرنسا، دافعاً المعارضين، إلى أحضان موسكو ودمشق، لا بل إقناعهم بأن الحلول لن تأتي سوى عبر التفاهم معهما، سواء بصيغةٍ تنسف صيغة المرحلة الانتقالية في سورية أو غيرها.
من الطبيعي أنه، في مرحلةٍ كهذه، لن يتمكّن المعارضون من إجراء مناوراتٍ سياسية، بل سيكتفون بالنظر إلى وضعهم السياسي والميداني، ويقرّرون دفع أثمان الثقة بالأميركيين. وهم يدركون أنهم وقعوا في مأزق الخيارات المحدودة. ليسوا وحدهم من وصل إلى هنا، فقد سبقهم جيرانهم اللبنانيون والعراقيون إلى ذلك. في لبنان، هدّد الرئيس الأسبق أمين الجميل، من واشنطن، بقصف دمشق من بيروت، أيام (الاحتلال) السوري البلاد، لكن بيروت هي التي تعرّضت للقصف، قبل أن يتفق الأميركيون مع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، وتسليمه إدارة الملف اللبناني، في مقابل تأمين الجبهة الشرقية مع العراق، في حرب الخليج الثانية (1990 ـ 1991). أما العراقيون، فإن ثقتهم بالأميركيين، في مرحلة ما بعد غزو العراق (2003)، أفضت إلى اندلاع حروبٍ طائفية، وإطاحة بنيةٍ تحتيةٍ كاملة في البلاد، وهدر حقوقها النفطية.
منذ عام تماماً، كانت الجبهات تنهار أمام قوات النظام في سورية، وكان الأسد في أزمةٍ حقيقية، هي الأصعب له منذ 15 مارس/آذار 2011. سقطت جبهات عدة في ريف اللاذقية، على مشارف معاقله في الساحل. تراجعت قواته في مختلف أطراف المدن، وبدت على شفير الهاوية. شعر بعضهم بأن الحلّ السياسي، إن حصل في وقتها، سيميل لمصلحة المعارضة. لم يعمل الأميركيون على مساعدة المعارضة، وتأمين الحلّ السياسي. بل حصل الأسوأ. تدخّل الروس وتبدّلت الموازين. هنا، ماذا فعل الأميركيون؟ لا شيء، المهم أن يثق الجميع بهم.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".