مصر... ثورة واحدة

مصر... ثورة واحدة

09 يوليو 2016
+ الخط -
يبدو أن ثلاث سنوات حافلة بتقديم الأدلة والشواهد والبراهين، واحداً تلو الآخر، على أن ما حدث يوم 30 يونيو 2013 في مصر كان "المبتدأ" لجملة "انقلاب الثورة المضادة في مصر"، لخبر تم إعلانه يوم 3 يوليو من العام نفسه، يبدو أنها لم تكن كافية لإقناع بعضهم بأن ما حدث لم يكن مشهداً عفوياً، وإنما مكر دبّر بليل قبلها بشهور طوال.
يعترف قائد انقلاب الثورة المضادة، ويقرّ علناً، بأن تخطيط العسكر، الذين يعشقهم فلول الناصريين المصريين، للانقلاب بدأ مبكراً جداً، وقبل 30 يونيو بفترة طويلة، فيزايد عليه مؤيدوه، بعكس ذلك.
يعترف قادةٌ صهاينة بأنهم ساعدوا وتبنوا، ودعموا، حدوث الانقلاب على بواكير أول تجربة لحكم ديمقراطي في مصر، عبر تاريخها الحديث والمعاصر؛ فيتعامى بعضهم عن ذلك، أو يمارس سلوكاً يسميه المصريون "الاستهبال"، ولا يجدون حرجاً في ذلك؛ وإن شئت فلك أن تعود إلى عشرات التصريحات المسجلة صوتاً وصورة، للصهاينة بكل مستوياتهم، وهم يتفاخرون بأنهم احتفوا بجنين الانقلاب وبذرته الأولى في مخدع العسكر.
يتحدّث الجنرال الهارب، أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء عيّنه المخلوع حسني مبارك، عن التخطيط، وتوزيع الأدوار، انطلاقاً من مهجره الذي اختاره، أو اختير له مبكّراً، وكيف أن العصب الرئيس، والقوام الفعلي للانقلاب والثورة المضادة، تمثل في "فلول دولة مبارك" التي قامت ضدها ثورة 25 يناير، ثم تجد من لا يرى في ذلك بأساً ولا حرجاً، ولا تعلو وجهه ولو مسحة خفيفة من حمرة الخجل، تمنعه من أن يربط الثورة بالانقلاب في علاقةٍ هي، وفق كل منطق، غير مشروعة، ولا يمكن الاعتراف بها.
يقول المنضمون لحركة تمرد إنهم تلقوا الدعم، بكل أشكاله وصوره من أجهزة المخابرات المصرية، بل ولا ينفي عبد الفتاح السيسي نفسه ما ذكره مؤسس الحركة عن تلقيه اتصالاتٍ تضمنت وعوداً من الأول بالدعم والمساندة؛ ناهيك عن اعترافات معظم مؤسسي "تمرد" عن الاجتماعات التمهيدية التي أشرف عليها، وأدارها، وحضرها، قادة الاستخبارات في أكثر من مكان (شرم الشيخ مثلاً). وعلى الرغم من ذلك، لا يرى بعضهم سوى أن الحركة "قبلت أن تنضوي تحت دور الجيش"، على حد تعبير الكاتب سلامة كيلة في "العربي الجديد" (6 /7 /2016)، مزايداً على الطرفين!
تكشف الوقائع عن أدوار محدّدة لأطراف إقليمية، ودولية، خطّطت ومولت، وتبنت "أجندة الانقلاب" من ألفها إلى يائها، ثم يتحدّث بعضهم عن "ثورة شعبية" يراها كانت ضرورية، ضد كل مكتسبات "25 يناير".
يقول المشاركون بعفوية في "30 يونيو"، وكذلك في رافعي شعاراتها، بل وبنود استمارة "تمردّ" نفسها، إن السقف الأعلى للمطالب كان حث الرئيس محمد مرسي على إجراء انتخابات رئاسية مبكّرة، لكن الكاتب سلامة كيلة يصرّ على أن "النخب المدينية خشيت من سياسة (التمكين) التي تهدف إلى الوصول إلى فرض (الدولة الدينية)، وهو ما ظهر في السياسات التي اتبعها "الإخوان" بعد أن وصلوا إلى السلطة. ولهذا، انخرطت في الثورة". وهذا كلام يتماهى مع كلام السيسي عن خشيته من "ضياع هوية مصر". ويقيني أنه بحكم تعليمه و"لا ثقافته"، المتبدية في كل تصرفاته وترّهاته، لا يعرف شيئاً عن مفهوم الهوية من الأساس. لذا، أسأل بعض المروجين لهذه الفرية: ما رأيكم في أن هوية مصر العروبية تبدّت وقتها في موقف حازم، يمتلك حدّاً مناسباً من القوة تجاه العدوان الصهيوني على غزة فلسطين العربية، وفي موقف ينحاز بالكلية للشعب السوري الثائر ضد إجرام الديكتاتور الذي يحكمه، وإن انتقد كثيرون طريقة الإعلان عن ذلك؟ كيف يقيم هؤلاء "هوية السيسي"، الذي يرى في القاتل نتنياهو قائداً ملهماً؟ هل يعجبهم هذا التمكين الصهيوني الجميل؟
يعرف المصريون، يا أستاذ كيلة، ثورة اسمها 25 يناير فقط؛ وإن شئت فاقرأ سفراً حديثاً، للمفكر عزمي بشارة، عنوان جزئه الأول "ثورة مصر.. من جمهورية يوليو إلى ثورة يناير"، طالما أنه عزّ عليك أن تقرأ واقع مصر وحالها منذ "30 يونيو"، وإلى أن تحدث ثورة جديدة، يرونها بعيدة، وأراها قريبة.
50C80A35-B0FB-49CC-BE88-9A8FC8B80144
نزار قنديل
كاتب وصحافي مصري، مدير مكتب مصر ورئيس قسم المراسلين في موقع وصحيفة "العربي الجديد". عمل في عدد من المؤسسات الإعلامية العربية والمصرية. يعرّف نفسه: كل لحظة تمر، بدون أن تكون لك كلمة حق وخير وجمال، هي وقت ضائع. كل لحظة لا تصمت فيها، إذا لم يكن لديك كلمة نافعة، هي ثرثرة ضارة. بعيداً عن الوقت الضائع، والثرثرة، أحاول أن أكتب. إن شئت فاقرأ ما تيسر من كتابتي.