داعش والجريمة المقدسة

داعش والجريمة المقدسة

09 يوليو 2016
+ الخط -
هل كانت العملية الإرهابية في المدينة المنورة مفاجئة وصادمة؟ خصوصاً وأنها جزء من سلسلة جرائم مُمنهجة اتسمت بالبشاعة والوحشية، من تصفية عناصر داعش أقرباءهم واستهداف المصلين في المساجد، غير أنَّ عملية المسجد النبوي، وقتل رجال الأمن، تقود إلى حقيقة جليّة لا مراء فيها، أنه ليس لدى التنظيم التكفيري سقف للمحرمات، فعبثيّة التأويل الديني بكيفية متطرفة ورؤية شاذة حاضرة على الدوام.
تتمحور استراتيجية التنظيم الظلامي في السعودية على مسارين، أولهما ضرب الشيعة في حسينياتهم لتأجيج المشاعر الدينية، والدفع إلى شيوع الكراهية المذهبية المغذية للتطرف المضاد وتوسيع قاعدته، لإحداث مناخات الفوضى والعنف ومواجهة الدولة، فيما يتركز المسار الآخر في اغتيال رجال الأمن وتصفيتهم بشكل فردي وجماعي، لرسم صورة مشوهة، مفادها عجز الدولة عن حماية أجهزتها، وخلخلة الثقة لدى منتسبيها، بما يقود، في المجمل، إلى خيبة الأمل لدى المواطن، وترسيخ فكرة الوهن وعدم قدرة الحكومة على توفير الأمن وحماية المجتمع من الخطر الداهم للإرهاب، حيث أن الأمن أحد الركائز الأساسية لوجود الدولة وشرعيتها.
الفتنة المذهبية الفتاكة، وزعزعة شرعية السلطة بالتشكيك المستمر في منطلقاتها الإسلامية، يؤدي، على المدى الطويل، إلى الهدم وإشغال النظام السياسي في الداخل، حيث تنحسر قدرته على إنجاز أي مشروع سياسي داخلي وخارجي، والحد من فعاليته وتأثيره السياسي في الإقليم. ذلك على صعيد المنهج والأهداف، أما الوسائل والأدوات فكان الملفت فيها أن عناصر التنفيذ من المراهقين الذين تم تجنيدهم داخل المملكة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث نجح التنظيم إلى حدّ ما، في تكوين جمهور نفسي عبر خطاب ديني يعتمد التكرار والتأكيد، مستغلاً الخواء الفكري والفقر الثقافي لدى أولئك الأفراد، في ظل حالة الصراعات المحتدمة في المنطقة، ودموية الأنظمة المتوحشة التي تقودها هستيريا التمسك بالسلطة، لارتكاب أفدح المجازر وأبشعها بحق الأبرياء من المدنيين العزل، وهو المشهد المُفزع، والذي سيظل أثره في وعي شعوب المنطقة وشعوبها، فالعجز يولد الإحباط واليأس، والتي تؤدي، بتراكمها، إلى الانفجار والثورة على الواقع. غير أنَّ مكمن الخطورة يتمثل في قيادات التنظيم، فهذه الجماعة الراديكالية خرجت بإمكانات مادية مهولة، من دون مقدمات، وبكل ما ترفعه من شعارات دينية براقة، إلا أن حضورها على مسرح الأحداث كان لتغيير مسارها وحرف وجهتها، كما حدث للثورة السورية والاعتصام السلمي لسنة العراق، وكذلك الأمر في ليبيا واليمن، فمثل هذه التنظيمات قد تنشأ لغايات نبيلة كمقاومة المحتل، لكنها، في معمعة المتغيرات، تتحول من خلال قادتها إلى قتلة مأجورين بفعل غواية المال، ولا يُستغرب نشوء صراعات على السلطة بداخلها، وهي لعبة حدثت لبعض التنظيمات الثورية في سبعينيات القرن الفائت وثمانيناته، فكانت أداة طيّعة بيد أنظمة سلطوية شمولية مارست الإرهاب وسيلة ضغط وابتزاز سياسي. كما أن تأثير عمليات داعش في أوروبا كان واضحاً في تغيير موقف الغرب من قضايا المنطقة، حيث تحولت بوصلة اهتمامه إلى حرب داعش، وتهميش المسعى إلى حل الأزمة السورية خصوصاً، بل والتحالف مع إيران، في اعتراف صريح بأنها شريك رئيسي في الشرق الأوسط.
سيستمر إرهاب داعش مادام يساهم في فوضى المنطقة، وهي مرحلة قبلية لشرذمة الدول ورسم خارطة جديدة، وإعادة صياغة شكل العلاقات الإقليمية، فما كان يوماً يُعد هذياناً وضرباً من الخيال سيصبح واقعاً لامناص منه، فحجم التحديات كبير، وإدارة الصراع بحاجة لنفس طويل بعيداً عن الرهانات المُتوهمة، كالدعم الغربي أو إنهاك الطرف الآخر وقبوله بالتسويات، ففصول الحكاية من الجليّ أنها تحمل مزيداً من القتامة.
79A818D2-0B86-43CA-959C-675CEB3770CB
79A818D2-0B86-43CA-959C-675CEB3770CB
أحمد القثامي (السعودية)
أحمد القثامي (السعودية)