ثورة 30 يونيو

ثورة 30 يونيو

07 يوليو 2016
+ الخط -
بعد ثلاث سنوات، يبدي بعض ممن شارك في ثورة 30 يونيو 2013 في مصر "الندم" على المشاركة فيها، بعد أن لمس ما وصل إليه الوضع. لا أظن أن هذه النتيجة صحيحة، وربما هي نتاج "نزق" فئاتٍ وسطى، أخذت تقيس الأمور بـ "نتائجها" القريبة، وكانت تعتقد أن التغيير قريبٌ وسهلٌ و"سلمي".
أولاً، كان ما حدث "حتمية" (وليس ضرورة فقط) لأن نظام محمد مرسي لم يحقق شيئاً من مطالب ثورة 25 يناير 2011، فقد ازداد الوضع الاقتصادي سوءاً، ولم يظهر أن لدى جماعة الإخوان المسلمين حلاً للمشكلات المجتمعية التي فجّرت ثورة 25 يناير. ولهذا، كان من الطبيعي أن تعود حشود 25 يناير إلى الشارع (تلك الحشود التي كان وجود الإخوان المسلمين فيها محدوداً، نتيجة ميلهم التهادني مع نظام حسني مبارك)، لأنه لم يعد بإمكانهم قبول الوضع الذي هم فيه. وقد تمرّدوا على نظامٍ كان يعتبر قوياً. لكن الأمر ازداد تعقيداً، لأن "حزب الكنبة" قرّر الثورة كذلك، حين اكتشف منتخبو "الإخوان" ومرسي من الفئات المتدينة أنه لم يفِ بما كان يطرح، واستمرّ في سياسة النظام السابق، ولهذا اعتبروا أنه "كذب"، الأمر الذي دفعهم إلى التراجع عن دعمه، وإلى الثورة ضده. كما أن النخب المدينية خشيت من سياسة "التمكين" التي تهدف إلى الوصول إلى فرض "الدولة الدينية"، وهو ما ظهر في السياسات التي اتبعها "الإخوان" بعد أن وصلوا إلى السلطة. ولهذا، انخرطت في الثورة.
كانت هذه العناصر تجعل الثورة حتمية، فكل ذلك هو الذي فرض النزول إلى الشارع، ووسّع الحشد أكثر مما كان ضد حسني مبارك. وبالتالي، كان يتعلق الأمر بثورةٍ حقيقيةٍ أرادت التغيير. وفي هذه الحالة، لا فائدة من "الندم"، على ضوء الظرف التالي. لكن، لم تحظَ الثورة بقيادة حقيقية، ذلك أن جبهة الإنقاذ التي ضمت معظم الأحزاب المعارضة، وأيضاً حركة تمرد، قبلت بأن تنضوي تحت "دور الجيش"، وتقبل الإخراج الذي جرى ترتيبه، والذي أظهر الثورة كانقلاب. وسيظهر كانقلاب على الثورة، الثورة التي أسقطت محمد مرسي وحكم "الإخوان". بالتالي، كانت المشكلة في أن الحشد الشعبي الكبير لم يجد من يوجهه، بحيث يفضي إلى استلام السلطة، الأمر الذي يعني أن ما ينقص هذا الحراك الشعبي الكبير هو القيادة التي تطرح الشعارات الصحيحة، والتي تنظمه، بحيث يحقّق هو التغيير، أي لا ينتظر التغيير من داخل النظام، أو من طرفٍ لا يعبّر عن مصالح الشعب.
لا شك في أن حراك الشعب العفوي يعطي الخبرة للشعب نفسه، ويبلور في خضم الصراع بدائل تكون أفضل، وتتطور بحيث توصل إلى قبول التغيير الجذري. ولهذا، فإن التجربة ربما أوصلت الشعب إلى تجاوز المراهنة على بديلٍ من داخل النظام، وأنها طرحت عليه أن يقرّر في ثورة مقبلة أن يحاول فرض بديلٍ يختاره هو. وهذه خطوةٌ مهمة ومتقدمة، وقد اكتسبها الشعب بالتجربة، التجربة التي ستتكرّر كذلك.
انكسار حالة الخوف بعد الثورة الأولى، والظروف التي لم تتغيّر، بل ساءت، سوف تبقي الثورة قائمة، على الرغم من الركود الذي يحدث بين ثورة وأخرى، وهو ركود طبيعي، لأن بعضهم يأمل في أن يحقق التغيير مطالبه، ولأن العفوية لا تسمح بتمردٍ طويل. وهذا يوضح أننا ما زلنا في بداية طريقٍ، يعتمد طوله أو قصره على تبلور البديل من داخل الحراك الشعبي، وبفعل فئاتٍ عرفت ما تريد وكيف تريد تحقيقه. وفي سياقه، سيتراجع بعضهم، ويُحبط آخرون، و"يرتدّ" بعض ثالث. وهكذا في سيرورةٍ سوف تفرض، بكل تأكيد، التغيير الذي يحقق مطالب الشعب، الشعب الذي لم يعد قادراً على الاستمرار في الوضع الذي هو فيه، وبات النظام عاجزاً عن الحكم، كما كان في السابق.