صيف مغربي ساخن سياسياً

صيف مغربي ساخن سياسياً

06 يوليو 2016

الانتخابات المغربية المقبلة اختبار حقيقي لشعبية الإسلاميين (2 سبتمبر/2015/Getty)

+ الخط -
يعيش المغرب على وقع صيفٍ ساخنٍ سياسياً، لأنه يسبق الانتخابات التشريعية التي من المرتقب أن تجرى يوم 7 أكتوبر (تشرين أول) المقبل. وحتى قبل انطلاق حملتها الانتخابية رسمياً، بدأت من الآن حملة "تسخينات" تنبئ بالأجواء التي ستسود الحملة المقبلة.
تأتي أهمية الاستحقاقات المقبلة من أنها ثاني انتخابات تشريعية تجري في ظل الدستور الذي صادق عليه المغرب، إبّان الحراك الشعبي في إطار "رزنامة" من الإصلاحات، تقدّمت بها السلطة المغربية آنذاك لتهدئة الشارع، حتى تمر عاصفة "الربيع العربي". كما تكتسي الانتخابات المقبلة أهميةً كبيرة في المغرب، لأنها أول اختبار حقيقي لشعبية الإسلاميين بعد خمس سنوات من تدبيرهم الشأن العام، أقدموا فيها على اتخاذ قراراتٍ كثيرة، وصفها خصومهم، بل ووصفوها حتى هم، بأنها لم تكن شعبية، وبرّروها بأنها كانت من أجل الصالح العام، حسب رأيهم. وإذا كان الإسلاميون قد وصلوا إلى الحكومة، أول مرة في المغرب عام 2011، محمولين على أكتاف الشارع المنتفض آنذاك، فإن خصومهم يراهنون اليوم على إسقاطهم بالطعن في حصيلة أداء حكومتهم الذي يقدّمه الإسلاميون بأنه "إنجاز أسطوري"، كما وصفه بذلك رئيس الحكومة، ويتهمهم خصومهم بأنهم أغرقوا البلاد في ديونٍ خارجية، ويحذرون من أن استمرار حكومةٍ، يترأسها الإسلاميون، سيقود البلاد إلى أزمةٍ محققةٍ، يصعب التنبؤ بتبعاتها الاقتصادية والاجتماعية.
ومن الآن، يبدو أن للانتخابات المقبلة عدة رهانات. لكن، هناك من يريد أن يختزل هذه الرهانات في الصراع بين قطبين كبيرين، هما القطب الذي يصف نفسه بـ"الإصلاحي" يقوده الحزب الإسلامي الذي يرأس الحكومة، وقطب يصفه خصومه بـ"المتحكم"، ويصف هو نفسه بـ"المنقذ" و"المخلص" من هيمنة الإسلاميين، يقوده الحزب الذي أسّسه قبل سنوات مستشار حالي للملك محمد السادس.
ويتمثل التحدّي الكبير لهذه الاستحقاقات، بالنسبة للإسلاميين، في إثبات قدرتهم على الفوز للاستمرار في الحكومة. وفي الوقت نفسه، مواصلة ما يصفونها بـ"الإصلاحات". أما خصومهم فيرفعون تحدّي إزاحة الإسلاميين من الحكومة، حتى لا تتغلغل هيمنتهم التي يَعتقد خصومهم أنهم فرضوها داخل المجتمع، إلى دواليب الإدارة وأجهزة الدولة العميقة. ومن هنا، حدة النقاش الذي يطغى عليه الصراع السياسي، ويغيب فيه الجانب الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
ومثل كل الحملات الانتخابية والصراعات السياسية من أجل السلطة، فإن كل فريق بدأ، من الآن، في حشد أسلحته، بما فيها التي تعتبر ممنوعة قانونا، أو "محظورة" في العرف المغربي، أو المذمومة في التقاليد الانتخابية عموماً، من خلال تبادل الاتهامات والاتهامات المضادة التي قد تصل، أحياناً، إلى مستوى الاتهامات ذات الطبيعة الجنائية، مثل اتهام زعيم سياسي بأنه تاجر مخدرات، ورد الفريق الآخر باتهام زعيم فريق خصمه بأنه تابع لتنظيم داعش الإرهابي، واتهامات زعيم سياسي آخر لمنافسه بأنه هدّده بالقتل.
وحتى الملك والمؤسسة الملكية لم يسلما من تراشق رؤساء الأحزاب السياسية فيما بينهم، فقد 
ألمح رئيس الحكومة وزعيم حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي يقود الحكومة، عبد الإله بنكيران، إلى وجود حكومتين داخل المغرب، رسمية يرأسها الملك محمد السادس، وأخرى قال زعيم الإسلاميين إنه لا يعرف من أين تأتي بقراراتها وتوجيهاتها، في إشارة إلى ما بات يصنف في العالم العربي بعد ثورات "الربيع العربي"، بـ"الدولة العميقة". ومباشرةً بعد صدور هذا التصريح على لسان رئيس حكومة مغربية منتخب، انبرت له عدة أقلام محسوبة على الدولة التي انتقدها، تتهمه في ولائه للمؤسسة الملكية، وبالتشكيك في "المسار الديمقراطي المغربي".
ولم يقف سقف هذا "النقاش" السياسي عند مثل هذه الاتهامات ذات الطبيعة السياسية. لذلك، لا يتحرّك القضاء للتحقّق منها، وإنما تجاوز ذلك إلى بعض أساليب الدعاية التي يغلب عليها الكذب، وتطغى عليها المزايدات السياسية، مثل الوعود بتوفير مناصب شغلٍ خياليةٍ يقدمها أصحابها في صيغة مشاريع، يصعب التأكد من قدرتها على تحقيق ما يعدون به الناس من مناصب شغل، تقدّر بمئات الآلاف، أو باستعمال الأماكن الدينية لترويج خطاباتهم، فعندما ظهر رئيس الحكومة يؤدي صلاة التراويح في الشارع العام بين عموم المصلين، انتشرت صورة لغريمه زعيم حزب الأصالة والمعاصرة، وهو يخرج، في الهزيع الأخير من الليل من أحد المساجد، في إشارة إلى ورعه وثقته. وعندما تحدث رئيس الحكومة عن علاقته بوالدته التي قال إنها من علمته السياسة، ظهر رئيس الحزب المنافس له في برنامج تلفزي يبكي هو وأمه التي ذكّرته بالظروف الصعبة لتنشئة أسرته.
وكلما اقترب موعد الاستحقاق المنظور، تزيد شحنة المبالغات، ويرتفع سقف المزايدات، ويكثر استعمال الرموز والعواطف للتقرّب من جمهور أغلبيته من المتردّدين ممن لا يثقون في العملية السياسية، من دون الحديث عن الأساليب الأخرى التي يعاقب عليها القانون، من استعمالٍ للمال وغيره من أساليب الإغراء والضغط لاستمالة أصوات الناخبين.
وبعيداً عن أسلوب المبالغات والمزايدات التي غالبا ما تطبع النقاشات السياسوية، وعلى الرغم من كل ما قد تعرفه الحملة الانتخابية التي بدأت من انزلاقات، فإن الرهان الأكبر والحقيقي على المحطة الانتخابية المقبلة يتجسّد في مدى قدرتها على بناء نموذج مغربي حقيقي، قادر على تجاوز كل الهزات العاصفة في منطقة الاضطرابات الحالية التي تمر منها أكثر من دولة عربية.
D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).