التنسيق الدولي وآفاق الحل السياسي السوري

التنسيق الدولي وآفاق الحل السياسي السوري

01 اغسطس 2016

كيري ولافروف في فيينتيان، عاصمة لاوس (26يوليو/2016/Getty)

+ الخط -
مع بداية شهر أغسطس/آب الجاري، تكون بداية المرحلة الانتقالية في سورية، وفقاَ لقرار مجلس الأمن الدولي 2254، أي بدء تشكيل حكومة انتقالية لها كامل الصلاحيات التنفيذية. ولكن ذلك الأمر لن يتحقق، كما بنود بيانات مؤتمرات جنيف، ولا سيما الأول منها. ويبدو أن التنسيق الأميركي الروسي المعلن أخيراً، والذي تصر موسكو على استبعاد الدول المُشكلة لمجلس الأمن الدولي، والاكتفاء بالتنسيق مع أميركا، يبدو أنه يُثير التباساتٍ كثيرة. وتذهب تحليلاتٌ كثيرة إلى التخوف من تسويف النظام، وإلى أن ذاك التنسيق، وبفضل روسيا، سيحمي النظام وإيران، بل ومليشيات حزب الله، كما تحليل المركز العربي للأبحاث والدراسات في تقديره الموقف "الوضع الميداني والانعكاسات المحتملة للتنسيق الروسي-الأميركي في سورية". وعلى الرغم من أن التقرير يميل إلى السوداوية، وينفي وجود شقٍّ متعلق بالانتقال السياسي، وبالتالي، لا حل سياسياً قريب في سورية، فإن تحذيراتٍ كثيرة فيه تظل سليمة، فقد فشلت مبادرات دولية وإقليمية كثيرة خلال السنوات الخمس، وبالتالي، هناك خطر قائم. ويرى تقدير الموقف للمركز العربي الفشل، لأن أميركا تُحدد مشكلتها في محاربة الإرهاب، وفي "انحسار الاستراتيجية الأميركية... إلى مجرد مواجهة التهديدات التي تمثلها الجماعات الجهادية".

تعديلات في الاستراتيجية الأميركية
ويرى تقدير الموقف، هنا، أن التنسيق سيكون لصالح المشروع الروسي في إعادة إنتاج النظام؛ ولا أعتقد أن شكل التدخل الأميركي في سورية سيكون كما بخصوص الاتفاق النووي مع إيران وما يتم في العراق من إعادة تموضع أميركي، وصرف نوري المالكي من الحكم، والتضييق على رئيس الحكومة، حيدر العبادي، بخصوص الحشد الشعبي، وكيفية مواجهة "داعش" وتشكيل قوات تمثل "السنة" في العراق. وفي سورية أيضاً، كان لأميركا دور مركزي في تطورات كل مآلات الوضع إلى الواقع الراهن، أي لا يتحدّد فقط بمواجهة التهديدات الجهادية. وهنا، يمكن الإضافة أن أميركا أنشأت قواعد عسكرية في شمال سورية، ولصالح حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي)، وهذا أخطر أشكال التدخل، ويتضمن تعبيراً عن فرض سياساتٍ معينة في الشمال السوري، وفي كل سورية. تحاول أميركا هذه تمكين دول المنطقة، وإشراك روسيا دولة أساسية في كامل ملفات المنطقة، وهذا ضمن الاستراتيجية الأميركية لمواجهة الصين، والسيطرة على أزمات العالم المتكاثرة بدءاً بالعام 2008، حيث بداية أزمة اقتصادية شملت أميركا وأوروبا، ولم يتم تجاوزها، وأصبحت مفاعليها تؤزم العالم بأكمله.
لم يكن التنسيق الأميركي الروسي في كيفية إدارة الصراع في سورية موجوداً، وهو يتحقق
لأول مرة في إطار مواجهة "داعش" وجبهة النصرة، وإيقاف شامل لإطلاق النار والبدء بإجراءات الانتقال السياسي، كما تقول تقارير صحافية، وكما تصر الدول الأوروبية، ولا سيما في اجتماع وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، مع نظرائه في كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وتأكيد الوزير البريطاني على رفض وجود الأسد والقيادة القريبة منه في أي حل سياسي، وأن الحل هو بداية النهاية لتنظيم داعش.
يفرض هذا التنسيق تطوراتٍ جديدةً، ولأول مرة، تخص تخلي الفصائل الإسلامية والمحلية عن جبهة النصرة، وتفكيك كل الروابط العسكرية معها، ومنها جيش الفتح في إدلب، أو تشكيلات شبيهة لها في حلب وسواها، وهذا يأتي بعد المصالحة الروسية التركية، ولا تغير في الأمر التطورات بعد الانقلاب الفاشل، أو فرض حالة الطوارئ في تركيا، أي أن جبهة النصرة وداعش لم يعد لهما غطاء إقليمي أو دولي، وصار من مهام التنسيق إيجاد حل نهائي للوضع السوري برمته. لا يمكن السير فيه، وتوحيد الطلعات الجوية الروسية والأميركية، من دون اعتبار الحل السياسي من الأهداف الأساسية فيه، ولكن هذا أيضاً يفترض توافقاً إقليمياً وإعادة هيكلة كل من النظام والمعارضة.

مصلحة روسيا
من مصلحة روسيا، التي تزداد خلافاتها مع إيران، التفكير في الحل السياسي، ذلك أنه سيساهم في محاصرة الجهادية في سورية، والتي قد تنقل معاركها إلى العمق الآسيوي لروسيا مجدّداً، وربما إلى روسيا نفسها، في حال ظلّت تتقدم خبراتها، ويشتد عودها. هذا من ناحيةٍ أولى، ومن ناحية ثانية، لا يمكن أن يعود الوضع السوري إلى ما قبل العام 2011، وليس في الوسع تقبل وجود القيادة نفسها إقليمياً ودولياً. يرفض التحليل الجاد أن يتقبل فرضيات تطبيع تركيا العلاقات مجدّداً مع النظام السوري، وكذلك لا يمكن لروسيا التفكير في حلٍّ سياسي، يتأتى بعد الإجهاز على المعارضة السورية السياسية والعسكرية؛ فهذا غير ممكن، بل إن روسيا تحتاج المعارضة هذه في محاصرتها الجهاديات والسلفيات، وفرض هيمنتها على سورية بشكل شرعي، عبر الإشراف على الحل السياسي و"احتلال سورية". وفي الإطار نفسه، فإن للدول الإقليمية مصالح في سورية، ولا بد من أخذها بالاعتبار.
ستكون عقدة الأسد أو ملء الفراغات بعد إزالة "داعش" أو "النصرة" عمليةً متعلقةً بالفصائل المحلية والدول الراعية لها، وبقوات النظام الجديد. ومن هنا، نجد من بنود التنسيق، تحييد قوات النظام السوري، وإيقاف طلعاته الجوية، إلا وفقاً لأوامر من مجموعة التنفيذ الأميركية الروسية. ويوضح هذا الشكل من التحديد لعمل النظام، والكلام عن مجلس عسكري منذ أقل من شهر، أن التنسيق بين الدولتين العظميين يشمل بالضرورة الحل السياسي، لكن الحل نفسه يتطلب تغييراتٍ في المعارضة، وفي النظام أيضاً.
يسود اعتقاد لدى بعض التيارات، وربما بتأثير من المصالحة التركية الروسية، أو بمجيء
بعض الأمنيين الأوروبيين، أن النظام ما زال قوياً، وأنه لن يقبل ما يُفرض عليه، فكيف سيتقبل مسألة رحيل الصف الأول من قيادته! هذا الرأي يُضخّم من قوة النظام، ولا يقرأ جيداً الدور الروسي بالتحديد في إنقاذه من السقوط، ويتجاهل أنه لولا الغطاء الجوي الروسي لانحسر وجوده في حلب، وفي بقية مدن سورية، وربما سقط. إذاً ووفقاً لزيارة وزير الدفاع الروسي أخيراً لسورية، وشكل لقائه بالرئيس بشار الأسد، فإن روسيا تقول إنها المتحكّمة في قرار النظام السوري، وإن إيران وحزب الله وكل المليشيات الطائفية لن يكون لها أهمية تُذكر، حالما يحصل توافق أميركي روسي كامل. وبالتالي، يمكن الاستغناء عن القوى البرية التي توفرها إيران وهذه المليشيات. وسيشمل الاتفاق الملفات العسكرية والأمنية والسياسية، وفي هذا لا قيمة حقيقية لتجدّد المشاورات السورية السورية، بل الأساس هو التنسيق الأميركي الروسي الجديد تحديداً، والثقة التي ستتعزز، بدءاً من تنفيذ الضربات تلك، وملاحقة قوات "داعش" وجبهة النصرة في أوائل أغسطس/آب الجاري، ما سيعيد، على الأغلب، تدخلاً برياً من الدول المحيطة بسورية، وربما من روسيا وأميركا نفسها، وبما يتجاوز المجموعات المخصصة للتدريب، كما الحال في العراق، أو مجموعات التدريب لقوات حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) وقوات سورية الديمقراطية كذلك.
يشكل التوافق الإقليمي مسألةً حاسمة في نجاح التنسيق، وفي محاصرة كل الأطراف الداخلية في سورية؛ فالدول الإقليمية هي المسيطرة على الفصائل، كما روسيا مسيطرة على النظام، وبمقدورها فرض تعليماتٍ محدّدة على إيران وحزب الله. هنا المشكلة الكبرى؛ فشروط السعودية واضحة برحيل الأسد، وإبعاد إيران عن سورية. وعكس ذلك إيران، فهي متمسكة بالأسد، وبمحاولات الهيمنة على أكثر من دولة عربية، ومنها سورية طبعاً، وإن تخليها عن الأسد يتطلب تلبية شروط كثيرة، ليس أقلها سيطرة شبه كاملة على العراق، وهذا مجال اختلاف يتصاعد بين أميركا وإيران. إذاً ليس سهلاً تجسير الهوة بين الدول الإقليمية الفاعلة في الشرط السوري. الخلاف هذا مستمر منذ 2012 بشكل بارز؛ لكن التقارب المستجد بين الروس والأتراك والإسرائيليين والسعوديين وكذلك الأميركان، وشعور الأخيرين بأن مسألة سورية لا يمكن حلها من دون تدخل فاعل؛ نقول هذه العناصر ربما ستلعب دوراً في تهيئة الشروط للحل، وبدءاً من أغسطس/آب الجاري، وبداية وقف النار على كامل الأرض السورية و"شل" طيران النظام عن دك المدن السورية.

هيكلة المعارضة والنظام
المعارضة والنظام سيتضرران، من دون شك، من التنسيق بين الروس والأميركان، ويشكل فشل لقاءات جنيف وفيينا عاملا ضاغطا لإعادة هيكلة المعارضة، وضبط سلوكيات النظام؛ فالمعارضة سيكون عليها تجرّع السم، وقبول معارضة القاهرة وموسكو، وربما حميميم والأكراد. والنظام سَيُجبر على إيقاف الأعمال العدائية وفك الحصار عن المدن، وربما إطلاق قسم كبير من المعتقلين. وفي موضوع الرئيس السوري، ستضطر روسيا وأميركا إلى إعلان توافق واضح حول دوره في العملية الانتقالية، وإبعاده عن النظام المقبل، وفق ترتيب زمني محدّد. ونقول ذلك لأن أطرافاً إقليمية وأغلبية سورية لا يمكنها القبول بأي مشاركةٍ فاعلةٍ في المرحلة الانتقالية، إن لم يُحدّد كيفية خروجه من السلطة مع كبار الضباط. ويكاد هذا يكون من المسلمات لنجاح أي حل سياسي، وربما إشارة وزير الخارجية البريطاني الحاسمة لرحيل الأسد متأتية من قراءته تاريخ الصراعات على السلطة ودور السلطة القديمة في تأجيل كل حل سياسي، وفي المصير الكارثي لسورية.

الإقليمي والدولي
التعقيد في المسألة السورية، وانشغال تركيا بإعادة ترتيب وضع الدولة بعد الانقلاب والموضوع
الكردي السوري، والخلاف السعودي الإيراني الكبير، ودور هذه الدول في القوى المسلحة السورية والنظام، يشكل عامل إرباك في كيفية حل كل هذه القضايا، ليكون هناك أمل حقيقي بأن التنسيق الأميركي الروسي سيُفضي إلى حلٍّ سياسي، أي أن الشرط الإقليمي أصبح فاعلاً في الحل، وبالتالي فوجود مشيئة دولية أمر مهم، لكن وجود خلافات إقليمية ربما سيكون عاملا مهماً في إطالة أمد الحل السياسي، والاكتفاء حالياً بإعادة هيكلة المعارضة، وضبط سلوكيات النظام وتأهيله للحل النهائي.
ومع خطورة العامل الإقليمي، فإن التنسيق الأميركي الروسي، سيغيّر كل المعادلات على الأرض، وسيغلق الحدود السورية أمام أية خطوط إمدادٍ من السلاح والمال وسواها، وهذا سيفرض بالضرورة على الفصائل المسلحة التحرّك سريعاً للتخلي عن "النصرة"، فالأخيرة متغلغلة في كل المدن السورية، وقد اضطرت الفصائل للتنسيق معها طوال العام الماضي بشكل كبير، بسبب إخفاق الحل السياسي، واشتداد ضغط النظام وحلفائه وروسيا على كل الجبهات، ولا سيما حلب، إذ إن ما يساعد على فك العلاقة بين "النصرة" وبقية الفصائل وجود رؤية واضحة المعالم لمصير التنسيق، وأن هدفه ليس ضرب كل الفصائل، بحجة الحرب على الإرهاب وتصفية "النصرة" والمعارضة نفسها، كما يتخوّف تقدير الموقف للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، المشار إليه آنفاً في هذه السطور. ويتضمن التنسيق، بالتأكيد، ضرب كل فصيل يرفض فك تلك الصلة أو يقف إلى جانب جبهة النصرة.

استنتاجات عامة
- هناك تعديلات في الاستراتيجية الأميركية، وهذا سيساعد في وضع نهاية للوضع السوري.
- سيؤدي التقارب التركي الروسي الإسرائيلي إلى تشكيل تحالف مع دول الخليج، وستكون إيران المتضرّرة الأكبر، وهذا سيفتح الحلول السياسية في سورية والمنطقة.
- في الأشهر المقبلة ستعاد هيكلة النظام والمعارضة، وسيكون عليهما تنفيذ سياسات التنسيق الأميركي الروسي.
- "داعش" وجبهة النصرة، وأية مجموعات مشابهة أو متحالفة معها، ستتعرّض لضربات جوية متلاحقة، وستشهد عزلةً كبيرة من بقية الفصائل.