هل هناك مؤامرة على العرب؟

هل هناك مؤامرة على العرب؟

28 يوليو 2016
+ الخط -
كيف تخلقت عقلية المؤامرة؟ بل هل هناك مؤامرة على العرب خصوصاً، والمسلمين عموماً، أم أنها محاولاتٌ لإيجاد مشجبٍ لتعليق فشلنا كأمة عليه؟ بين يدي محطتان، من الممكن أن نتكئ عليهما، للإجابة على هذه الأسئلة، أولاً. وثانياً، لفهم كيفية معالجة الانتكاسة الكبرى التي تعيشها أمتنا.
أول المحطتين، مؤتمر كامبل بانرمان، عقد في لندن عام 1905، واستمرت جلساته حتى 1907، بدعوة سريةٍ من حزب المحافظين البريطاني، يهدف إلى إيجاد آلية تحافظ على تفوق الدول الاستعمارية ومكاسبها إلى أطول أمد ممكن. قدّمت فكرة المشروع لحزب الأحرار البريطاني الحاكم في ذلك الوقت، وضم الدول الاستعمارية آنذاك: بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، إسبانيا، إيطاليا، إلى جانب كبار علماء التاريخ والاجتماع والاقتصاد والزراعة والجغرافيا والبترول. في نهاية المؤتمر، خرجوا بوثيقة سرية سموها "وثيقة كامبل" نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هنري كامبل بانرمان. استعرض المؤتمر الأخطار التي قد تنطلق من تلك المستعمرات، فاستبعد قيام الأخطار في الهند والشرق الأقصى وأفريقيا والمحيط الأطلسي والمحيط الهادي، نظراً لانشغالها بالمشكلات، الدينية والعنصرية والطائفية، وبالتالي، بُعدها عن العالم "المتمدّن". باعتبار أن مصدر الخطر الحقيقي على الدول الاستعمارية إنما يكمن في المناطق العربية من الدولة العثمانية، ولا سيما بعد أن أظهرت شعوبها يقظةً سياسيةً ووعياً قومياً ضد التدخل الأجنبي والهجرة اليهودية. وقد رأى المؤتمر أن خطورة الشعب العربي تأتي من عوامل عدّة يملكها: وحدة التاريخ واللغة والثقافة والهدف والآمال وتزايد السكان... ولم ينس المؤتمر أيضاً عوامل التقدم العلمي والفني والثقافي. لهذا، رأى المؤتمر ضرورة العمل على استمرار وضع المنطقة العربية متأخراً، وعلى إيجاد التفكّك والتجزئة والانقسام وإنشاء دويلاتٍ مصطنعة تابعة للدول الأوروبية، وخاضعة لسيطرتها. ولذا أكّدوا فصل الجزء الأفريقي من المنطقة العربية عن جزئها الآسيوي، وضرورة إقامة الدولة العازلة، عدوّة لشعب المنطقة وصديقة للدول الأوروبية. وهكذا قامت إسرائيل.
المحطة الثانية أطرف ما يمكن أن تقرأه عن "الكتاتيب"، وسبب منعها من بلادنا، والسخرية منها، وتصويرها باعتبارها من مظاهر التخلف. ويبدو أن حمّى الحديث عن "تطوير" المناهج المدرسية في غير بلد عربي في أيامنا ليس بعيداً عن قصة الكتاتيب، فثمّة من يريد أن يجرّد مناهجنا من البقية الباقية من هويتنا الثقافية والحضارية، بحجة القضاء على "التطرّف" و"الدعوشة!".
السؤال هنا: لماذا منعوا الكتاتيب، و"مدّنوا" التعليم؟ علماً أن مهمة الكتاتيب الأولى تحفيظ القرآن وتعليم اللغة العربية، والجواب غريب بعض الشيء، ومرة أخرى، نلجأ إلى "الغرب" لمعرفة الحقيقة، ونسأله عما إذا تعرّضنا للمؤامرة أيضاً (!).
وجدت الجواب في فيلم فيديو على موقع يوتيوب، وهو جزء لمقابلة مع المصرية سهير
السكري، بُثت من قناة النيل الثقافية، العام الماضي، وتتحدث فيه عما ورد في كتاب "الإسلام الثوري" لجيسين، والذي يقول فيه إن الإنجليز والفرنسيين، عندما انهارت دولة الخلافة، وورثوها كمحتلين، أنجزوا مشتركين دراسة عن سبب قوة الفرد المسلم الجبّارة التي جعلت المسلمين يغزون العالم من المحيط الأطلنطي إلى فيينا وضواحي باريس إلى الهند وأدغال أفريقيا، فوجدوا أن الطفل المسلم من عمر 3 سنوات إلى 6 سنوات يذهب إلى الكُتاب ويحفظ القرآن، وبعد أن يحفظ القرآن من 6 إلى 7 سنوات يدرس ألفية ابن مالك وهي ألف بيت شعر، وفيها كل قواعد اللغة العربية الفصحى. إذاً الآن لدينا طفل عمره 7 سنوات، وهذه محصلته اللغوية، فهو طفل ليس عادياً بالنسبة للطفل الغربي، بل هو طفل سوبر جبار العقل والذكاء، حيث إن عدد كلمات القرآن، حسب تفسير ابن كثير، سبعة وسبعون ألفاً وأربعمائة وتسع وثلاثون. فخلص الإنكليز والفرنسيون من الدراسة إلى أن سبب قوة الفرد المسلم الجبارة هي القرآن وكتاتيب تحفيظه، فألغت فرنسا الكتاتيب في أفريقيا، وجميع المدارس التي تحت سيطرتها مثل لبنان وسورية، وإن بقي بعضها في سورية قاومت به المحتل لمدارسها. أما الإنكليز ففكّروا بشكل مختلف، فقد قالوا إن المصريين هم من "اخترعوا" الدين قبل الميلاد، وإن قلنا لهم إننا سنلغي الكتّاب وتحفيظ القرآن، فلن نستطيع الوقوف أمامهم، ومن ثم قاموا بتأسيس مدارس أجنبية لأولاد الأغنياء، لكن لن يتم فيها تدريس المنهج الإنكليزي، بل يجب أن يكون أضعف بكثير، لتكون لغة الأسياد للأسياد فقط. وحتى لا يستطيع الطفل العربي التوغل في العلوم والمعرفة، بسبب ضعف تحصيله للغة بريطانيا والغرب. وبعد ذلك، أنشأوا المدارس الحديثة، وكان عمر الطفل فيها من 6 سنوات. وبالتالي، ضاعت من الطفل أهم فترة تحصيل في حياته، وهي من تاريخ ولادته إلى 7 سنوات تقريباً. وبالتالي، نجح الإنكليز في إضاعة فترة تحصيل الطفل العربي اللغوية، وعندما يذهب الطفل إلى المدرسة في عمر 6 سنوات، يجد كلمات باللغة العربية الفصيحة، وهذا غير ما تعلمه في البيت من كلماتٍ عامية مختلفة تماماً عن المدرسة، فيجد الطفل اللغة العربية غريبة عليه، وصعبة التحصيل، ويبدأ مرحلة بغض لغته منذ الصغر. وبالتالي، لن يتحدّث العربية بطلاقة. وهكذا ضاعت منه أكثر من 77000 كلمة في عمر مبكّر جداً. وفي المحصلة، ردموا الهوة التي كانت بين حصيلة الطفلين، الغربي والشرقي (حصيلة الطفل الغربي اللغوية 16000 كلمة، وهو في عمر ثلاث سنوات. في حين أن الطفل العربي محصور في اللغة العامية، ومحصلتها 3000 كلمة فقط، أي أن الفارق بين حصيلة الطفلين، الغربي والعربي 13000 كلمة لمصلحة الطفل الغربي ).
ونعود إلى السؤال الذي بدأنا منه: هل هناك مؤامرة على أمتنا؟ والجواب لكم.