"نحن" بين الانقلاب التركي وفشله

"نحن" بين الانقلاب التركي وفشله

26 يوليو 2016

سوريون في اسطنبول مبتهجون بفشل الانقلاب (أ.ف.ب)

+ الخط -
يتجمّع السوريون في منطقة الفاتح في إسطنبول، حاملين أعلام ثورتهم، معنونين وقفتهم بـ "رد الجميل". يُعبّر عنوان التجمّع عن رغبة المجتمعين بإيفاء جزءٍ من ديْن برقبة السوريين لحكومة تركيا (أو لرئيسها) على احتضانهم مدةً مفتوحة، ريثما تهدأ الحرب في بلدهم.
توحي كثافة الأعلام الخضراء وصور الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في الوقفة إلى أن حقيقة تظاهر السوريين في تركيا يأتي ردّاً على بضعة تجمعات حدثت في مدن سورية كدمشق والساحل، رفع مؤيدو بشار الأسد فيها علم سورية النظام (ذا النجمتين) وصور بشار، عندما اعتقدوا أن الانقلاب نجح في إطاحة أردوغان، العدو المفترض لنظام دمشق. رافقت الأعيرة النارية المعبرة عن الفرح أصوات أغاني صاخبة لعلي الديك ووفيق حبيب، وجوقة مماثلة من مغنين يدعمون قائد مسيرة "التطوير والتحديث"، في رسالة واضحة موجهة للمعارضين، تقول إن كل مَن يعادي النظام سينتهي، وستبقى سورية تحت حكم الأسد إلى الأبد.
لم يكترث النظام السوري لأعداد القتلى والجرحى الذين سقطوا "بالخطأ" في أثناء احتفالات مؤيديه بنصرٍ، اعتقدوا أنه جاءهم على طبقٍ من فضة، لكنه بدل ذلك استدعى، على عجل، مختصين بالسياسة، ليقدّموا على شاشات فضائيات مؤيدة له، تحليلاتٍ تساهم في احتواء الخيبة التي أصابت الشارع الموالي بعد فشل الانقلاب.
على المستويين، "الإسلامي" و"العلماني"، هناك صراع مشابه، حيث تغاضى إسلاميون سوريون، ومصريون، عن أن المشتبه به الأكبر في ترتيب الانقلاب قريبٌ جداً من نهج أردوغان، فيما يخص الدين وشكل حكم الدولة، وغضّوا النظر عن أن الأحزاب المعارضة العلمانية في تركيا اتّخذت موقفاً حازماً ضد تطاول مجموعاتٍ من الجيش على الديمقراطية. على الرغم من ذلك، اندفع الإسلاميون يهللون لفشل الانقلاب الذي يعني، برأيهم، نصرَ الإسلام على المؤامرات التي تحاك ضده.
ينخفض على صفحات السوريين في "فيسبوك" الاهتمام بقضية طفل كردي قُتل على يد الأسايش (قوات أمن كردية)، وآخر عربي قَطَعَت رأسه كتائب محسوبة على المعتدلين، ضمن راهنٍ حالكٍ ينسى فيه السوريون المثل: "أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب". ويتشفّون ببعضهم، مستعينين بأحداثٍ تجري في دول أخرى، بدل تحفيز وعيٍ يوجِدُ مخارج فعلية لكارثتهم، في ظل غياب حل حقيقي، يمكن أن يوفره الخارج، حيث الولايات المتحدة منشغلة بانتخاباتها، وهي تترقب تَرَؤُسَ أحد شخصين، من المرجح أنه لن يلتفت إلى الكارثة في سورية، إلا ببضع عباراتٍ ضد هذا الجانب أو ضد الآخر. أما الاتحاد الأوروبي فيعاني حالياً من نزيفٍ في فاعلية أهم دوله. والبلاد المجاورة، تركيا، تحتاج إلى فترةٍ طويلة لترتب ما دمّره الانقلابيون. أما الدول العربية فقد اعترفت مراراً أنها غير مؤهلة لتقديم أي حلٍّ يتجاوز إعلان موقف أخلاقي من نظام الأسد، أو التنديد بمجزرةٍ مهولة قد تحدث.
سيكون التحرّك الفعلي لطاقاتٍ بشريةٍ تريد الخلاص لسورية منتِجاً، بدل انتظار حل سحري، لن يأتي في القريب المتوقع، وقد يساهم بالخلاص إنشاءُ أحزابٍ بديلةٍ على أرض سورية، أو في الخارج، تنسف الأيديولوجيات القديمة التي أسّس عليها انقلابيو الثامن من آذار حزباً قائداً مرتهناً لعائلة الأسد، مع واجهةٍ معارضةٍ شكليةٍ تغط في نوم عميق، في اجتماعات المجالس، لتصحو، أخيراً، وتؤيد كل ما يقوله رأس الدولة، وتنخرط معه بأخطائه حتى النهاية. ربما يكون بذْلُ جهدٍ عمليٍ على أرض الواقع مفيداً في إقناع العالم أن السوريين جديرون أن يحظوا باهتمامٍ يفوق التنديد والاستنكار.
وكما استفادت الديمقراطية في تركيا من الحالة الشعبية التي نزلت إلى الشوارع، مدفوعةً بولاءٍ خالصٍ للبلد، يمكن استغلال حالة الوطنية المرتفعة على مقربةٍ منهم، لينحّي السوريون خلافات غيرهم، ولينهوا حالة الانشطار الجارية لتأييد أردوغان أو جيشه المنقلب، وليحاولوا الالتقاء في طريقٍ يجمعهم، وينتهي بوطنهم إلى شكلٍ يشبه البلدان التي يتدافعون في ساحات الداخل والخارج، لإعلان مواقفهم منها.