بعدما تحلّلت أحزاب مصر

بعدما تحلّلت أحزاب مصر

21 يوليو 2016
+ الخط -
هل ستكون جماهير الكرة في الأندية المصرية البديل الذي صنعته الأقدار خلال ثورة يناير، ليحل محل الأحزاب المصرية بعدما تعفّنت وتحللت، وخاصة بعد 30/6، ودخول الأحزاب شريكاً في الانقلاب على ثورة يناير، لكي تكون شريكاً في تقسيم الكعكة مع الجيش، بعد إطاحة "الإخوان المسلمين" وإيداعهم السجون، إلا أن الانتخابات البرلمانية، أخيراً، والتي صُنعت أمنياً من خلال ضباط الشرطة والجيش ورجال المال، وكانت النتائج بمثابة رصاصة الرحمة على كل الأحزاب اليسارية التي ظلت في المشهد أربعين سنة، وكأنها رسالة تقول لهم: لسنا في حاجةٍ لأطياف اليسار والناصرية وروائح القومية... وهكذا تعامل الحكومات خيولها، بعدما تشيخ وتكبر، واكتفى الدكتور رفعت السعيد بالتعليق في القنوات، ولم ينجح ناصري واحد في البرلمان، وذاب حزب الكرامة في التحالف الاشتراكي، من دون أن ترى ظلاً للكرامة على الأرض، ومن دون أن ترى أي تحالف اشتراكي، خصوصاً بعدما حوّلت الحكومة حديقة عابدين إلى منتزه مغلق، وظل حمدين صباحي حبيساً في حزبه في كل اجتماع، ومتحدثه الإعلامي (حسين عبد الغني) غاب عن المشهد تماماً. وانقطعت تصريحات عبد المنعم أبو الفتوح أو أوشكت، وجلس الدكتور عبد الغفّار شكر في بيته تاركاً تحالفه الاشتراكي بعدما كبر، وتحول الدكتور معصوم مرزوق إلى كاتبٍ في "الأهرام" شهوراً، وبعدها مُنع من الكتابة، وتحول الدكتور جمال زهران إلى كاتب في "الأهرام" (مازال يحافظ على الشعرة، ويصبّ العطور في كل مقال للسيسي، مثل عبد الحليم قنديل وجورج إسحاق، بعدما تركا حركة كفاية للريح، وذهب قنديل إلى "صوت الأمة" رئيس تحرير يمجّد في مشاريع السيسي بكبسولات تقترب من كبسولات سمير رجب، ويشن كل هجومه على الحكومة، بمقولة الديزل سريع وقوي، وهو السيسي، وباقي العربات تحتاج التكهين، وفرّ جورج إسحاق إلى حقون الإنسان التابعة للحكومة).
وهكذا تصحّرت الحياة، فلم تجد الجماهير أمامها سوى كرة القدم وشوبير وعزمي مجاهد ومرتضى منصور وحسام وإبراهيم حسن.
فهل وعت السلطة العسكرية تماماً خطورة الأندية قبل الميعاد، فكانت المذبحتان المروعتان لجماهير النادي الأهلي في بور سعيد، ولجماهير الزمالك في استاد الدفاع الجوي، وتولى مرتضى منصور رفع قضاياه على أولتراس الناديين، ودخل بعضهم السجون بالفعل، حتى كان الحدث الأخير لحسام حسن الذي هو أقرب إلى مسرحٍ عبثيٍّ فوق النجيل الأخضر، مدرب كرة قدم لنادٍ شهير، هو حسام حسن، يجري وراء مصوّر، ويوجعه ضرباً، بعدما يطرحه أرضاً ويكسر له الكاميرا. وفي النهاية، يتضح أن المصور من وزارة الداخلية، فيحبس حسام في سجن طره، وتتوالى المانشيتات، مثل لا أحد فوق العدالة، وكله سواسية أمام القانون، والدولة تستعيد عافيتها أمام أي طيش، وحسام من وراء القضبان يرمي مشروع دمعةٍ رقراقةٍ لم تكتمل في مخدعها، ويفكّر في كتابة خواطره أو تأملاته، وهو نادم على تسرّعه بالطبع. فجأة يتم التصالح بمعرفة وزارة الداخلية . مسرح جميل على النجيل الآخر، مثل تصريحات مرتضى أنه لن يلعب في (برج العرب)، أو لن يسلم الدرع لـ "الأهلي"، ثم يتراجع، فتعرف أنت المواطن الطيب، أن النظام قوي (وعضمة زرقة)، ولا يقف على مرتضى، ولا حتى حسام حسن، أو حتى الجن.
المضحك أن هذا النظام (العضمة الزرقة) يتراجع أمام الجماهير البورسعيدية، ويتم القبض على عشرين منهم في الحال، ويتم التصالح مع حسام، ويأخذ العشرين مشجعاً من المقبوض عليهم استمرار حبس 15 يوما.. نحن أمام مسرحٍ عبثي، مجهول المؤلف فوق النجيل الأخضر:
ويا طالع الشجرة
هات لي معاك بقرة
تحلب وتسقيني
بالمعلقة الصيني
والمعلقة اتكسرت.