دعم نتنياهو في زيارة شكري إسرائيل

دعم نتنياهو في زيارة شكري إسرائيل

17 يوليو 2016
+ الخط -
جاءت زيارة وزير الخارجية المصري، سامح شكري، إلى إسرائيل ولقاءاته مع مسؤولين إسرائيليين، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، محطةً في مرحلةٍ متقدّمةٍ في العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية بين إسرائيل والنظام المصري، حيث اكتملت لقاءاته بالعشاء في منزل نتنياهو في القدس المحتلة، بحضور زوجة الأخير، سارة نتنياهو، في مشهدٍ يختلف عن الاجتماعات واللقاءات السياسية بين قادة الدول، بمشاهدة مباراة كرة القدم في نهائي أبطال أوروبا بين منتخبي فرنسا والبرتغال. وبعكس ما تحدثت عنه صحفٌ مصرية وعربية أن تشكّل دعماً للقضية الفلسطينية، وإعادة تذكير العالم بالمعاناة الفلسطينية، فإن الصحافة العبرية، المناوئة سياسات نتنياهو والداعمه لها، وصفت الزيارة بالذخر الاستراتيجي لإسرائيل سياسياً وأمنياً، خصوصاً في ظل السياسة اليمينية للحكومة الإسرائيلية الحالية، برئاسة نتنياهو، واستياء كثيرين من القادة الدوليين منها، وخصوصاً الرئيس الأميركي، باراك أوباما، وبعض القادة الغربيين. إذ رأى محللون إسرائيليون أن نتنياهو، في وقتٍ لم يعد أحد من قادة العالم قادراً على قبول سياساته، أو تبريرها، خصوصاً الاستيطانية، فإنه ينجح في الحصول على قبول بعض القادة العرب وتأييدهم. وبالتالي، أصبح يوظّف هذه العلاقات في مواجهة دول العالم، وأيضاً في مواجهة خصومه السياسيين الإسرائيليين من الداخل، وذلك كله على حساب القضية الفلسطينية.
إسرائيلياً، وقبيل وصول وزير الخارجية المصري بساعات، أعلنت حكومة الاحتلال قرار إقامة حي استيطاني جديد في مستوطنة كريات أربع، وسط مدينة الخليل، وهي من أهم المستوطنات الأيديولوجية، إذ يسكنها غلاة المستوطنين المتطرفين، وبرز منها إرهابيون كثيرون، مثل باروخ مارزل منفذ مجزرة الحرم الابراهيمي الشريف في رمضان العام 1994 وموشي ليغنفر وباروخ مارزل، وغيرهم من قادة الإرهاب الاستيطاني في فلسطين. وبدا الإعلان عن إقامة هذا الحي ليس فقط رسالة استخفاف واستهتار بزيارة سامح شكري، ممثلاً عن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بل هي أيضاً رسالة للجمهور اليميني الإسرائيلي، الذي يشكل القاعدة الانتخابية لبنيامين نتنياهو، أنه لا علاقة للزيارة بشكل فعلي بالعملية السياسية مع الشعب الفلسطيني والاحتلال، خصوصاً أننا لم نسمع أية إدانة (أو رفض) لقرار البناء الجديد من شكري في مؤتمره الصحفي المشترك مع نتنياهو. وبعد انتهاء الزيارة، أعلنت مصادر أمنية وسياسية إسرائيلية أن إسرائيل نفذت غاراتٍ كثيرة بواسطة طائرات بدون طيار على أهداف ومجموعات في سيناء، بناء على طلب من السيسي، ليس لإحراج نظام الأخير فقط، بل للدلالة على عمق التنسيق الأمني بين الطرفين، كما تم الإعلان عن تعيين العقيد إيال كريم، وهو أحد القادة المتطرفين العنصريين، حاخاماً للجيش الإسرائيلي، وهو المعروف بمواقفه المتطرفة جداً، وخصوصاً فتواه اغتصاب نساء الأغيار (غير اليهود)، ولا سيما الفلسطينيات في زمن الحرب، "حفاظاً على قدرة الجنود الإسرائيليين القتالية بإشباع غرائزهم الجنسية"، وكان قد أفتى بعدم تقديم الإسعافات الطبية للمصابين الفلسطينيين، بعد أن وصفهم وحوشاً، يجب أن تختفي وتموت، وليس تقديم العلاج لها.
كان متوقعاً بعد زيارة نتنياهو، أخيراً، إلى عدة دول أفريقية، وما لها من آثار سلبية على
مصر، وخصوصاً دور إسرائيل في الاستثمار في سد النهضة، أن يدفع مصر وحكومتها ورئيسها إلى أن يعيدوا النظر في العلاقة مع إسرائيل، وأن يتبلور موقف مصري جديد ومختلف تجاه إسرائيل، وليس أن يزورها وزير الخارجية. ما يعكس إما قراءة سطحية لتداعيات التقارب الإسرائيلي الأفريقي وأبعاده، ومحاصرته مصر مائياً وجغرافياً واقتصادياً وأمنياً وعسكرياً، أو اعترافاً مصرياً بنفوذ إسرائيل ودورها في القارة الأفريقية والمنطقة عموماً. أما محاولة الحديث عن مشروع مصري لتحريك العملية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفقاً لما أعلن عن خطة للرئيس عبد الفتاح السيسي لدفع عملية السلام، والتي ما زالت عناصرها غير معروفة، باستثناء انضمام المعسكر الصهيوني، بزعامة يتسحاق هرتسوغ وتسيفي ليفني، لحكومة نتنياهو، وكأن مواقف هرتسوغ السياسية تختلف كثيرا عن مواقف نتنياهو ، مع العلم أن انضمامه للحكومة سيعطيها صورةً جميلةً أمام العالم، وأمام الرأي العام الإسرائيلي، وستشكل مصلحة كبيرة لنتنياهو، بحصوله على الشرعية الدولية، بمواصلة سياساته الاستيطانية، ورفض أية مبادرة لإنهاء الاحتلال، كما تضمنت أفكار الرئيس السيسي الإقرار باحتياجات إسرائيل الأمنية في ظل أية تسويةٍ مستقبليةٍ مع الفلسطينيين، وتعهد بمراعاة تلك الاحتياجات.
بات واضحاً أن المنطقة أمام مشهد مختلف كلياً في العلاقات الإسرائيلية مع بعض الدول العربية، والتي تجاوزت الوساطة الأميركية أو الاتصالات السرية ما بين إسرائيل ودول عربية، بل تجاوزت ذلك كثيراً، لتصل إلى نظام شرق أوسطي جديد، وخريطة تحالفات جديدة، تحتل فيها إسرائيل مكانةً مركزيةً، نظراً لاعتقاد بعض الأنظمة العربية بقوة إسرائيل السياسية والأمنية والاقتصادية، ما دفع بعض الأنظمة إلى التسابق في الحصول على الرضى الإسرائيلي، ما سيؤدي إلى دعم حكومة إسرائيل ورئيسها في كل المحافل الدولية سياسياً ودبلوماسياً، وفي مواجهة حملات المقاطعة الأكاديمية والاقتصادية التي تتعرّض لها إسرائيل منذ سنوات، كما أنها ستدعم نتنياهو في مواجهة خصومه في الحلبة السياسية الإسرائيلية، وأن ذلك سيبعد كثيراً احتمالات التوصل إلى حلول سياسية مع الفلسطينيين بإنهاء الاحتلال والاستيطان والآخذ بالتعمق والاتساع، وإن أكثر ما يمكن تحقيقه، على صعيد القضية الفلسطينية، هو إعادة المفاوضات الشكلية بين الطرفين بدون وقف الاستيطان مع تسهيلات اقتصادية شكلية هنا وهناك، ما سيعطي إسرائيل مزيداً من الوقت للسيطرة على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية في الضفة، بعد أن تم إخراج مدينة القدس عن محيطها الجغرافي والسكاني من خلال شبكة واسعة من المستوطنات والجدران المحيطة بها، وحصار محكم على قطاع غزة. لذلك، لم يعد الزمن الحالي زمن الحلول السياسية، لا بل إن القضية الفلسطينية هي الخاسر الأوحد مما يجري من تحولاتٍ عميقةٍ في المنطقة، ولم يعد مطلوباً سوى العمل الفلسطيني لترتيب الأولويات من خلال العمل على تقليل الخسائر في ظل التراجع والانهيار في المنطقة.