"30 يونيو" .. رد على رد

"30 يونيو" .. رد على رد

15 يوليو 2016
+ الخط -
أراحني كثيراً الكاتب سلامة كيلة، في مقاله في "العربي الجديد" (11/7/2016) وحمل عني عناءً واضحاً، وهو يرد بالمنطق الساخر في الدراما العربية، إذ يعالج الطبيب من يشكو من عقدة نقص، فينصحه بأن يردّد عكس ما يشعر به.
وبالقدر نفسه من الراحة، أدهشني أن يلجأ، وهو الكاتب المثقف، إلى أسلوب نجم الانقلاب وقائده البعيد عن الكتابة والثقافة بالكلية، وبدلاً من أن يقدّم شيئاً يعالج حالة المريضة، وهي هنا "30 يونيو" في مصر، فقد نصحها بأن تسير في الشوارع، بطريقة طبيب الدراما الشهير "أنا مش قصيرة قزعة، أنا طويلة وهبلة"، لتثبت للناس أنها ثورة، وليست انقلاباً.
لن أناقش الكاتب في تفصيلاتٍ فرعية، وإنْ كانت تستحق التوقف، من عينة أنه شارك في ثورة 25 يناير، وما حدث في 30 يونيو، ولا في مدى نجاح أو فشل ما يسميه تجربة حكم "الإخوان المسلمين" التي لم تحدث، ليس في تقديري فقط. ولكن، بحسب الكاتب نفسه "ولم أكن أجهل كل التخطيط الذي جرى، لكي يستلم الجيش السلطة، وكتبت ذلك حينها، وتحدّثت عن صناعة دكتاتور، وأشرت إلى سبب تضخيم الصراع مع الإخوان المسلمين. فهؤلاء توافقوا مع المجلس العسكري (برعاية أميركية) على تقاسم السلطة بعد ثورة 25 يناير، ثم أخلّ المجلس العسكري بذلك، حينما ترشحوا لمنصب الرئاسة. وقد فرض هذا الأمر بالتأكيد تفكير قيادة الجيش وعملها على إبعاد "الإخوان" عن السلطة"، وقد أعاد تأكيده في المقال نفسه: "الفرق الوحيد أنه في 25 يناير لم يكن هناك تخطيط، لأنه لم يكن متوقعاً أن تحدث ثورة، على الرغم من رؤية الجيش لمنع التوريث، أما في 30 يونيو/ حزيران 2013، فقد خطّطت قيادة الجيش بالتأكيد".
لن أناقش حتى، تناقضه وإصراره على وصف الانقلاب بالثورة، على الرغم من علمه أن الجيش فكّر، منذ فترة المجلس العسكري، في كيفية "إبعاد الإخوان عن السلطة"، بنص كلامه، على الرغم من أنهم لم يكونوا في السلطة وقتها. لن أجادل حتى في معايير الكاتب، الذي مازلت أؤمن بجدّيته، وهو لا يرى بأساً في المقارنة بين وضعين اقتصاديين لمصر والمصريين، فيقطع بفشل تجربة عمرها في أقصى تقدير عام واحد، في تحقيق أهداف ثورة على حكم عسكري فاشي، استمر في أدنى تقدير ثلاثين سنة. لن أناقشه حتى في إنكاره ديمقراطية انتخاب الرئيس محمد مرسي، فربما لديه تصور جديد، لم يصل إليه العالم بعد في آليات، وليس في مفهوم ممارسة الديمقراطية، لأن لي رأياً شخصياً في مسألة آليات الديمقراطية التي يعتمدها العالم، لكنني لا أملك بديلاً أتحف البشرية به، حتى الآن على الأقل.
لن أخوض نزالاً فكرياً مع الكاتب في الانحيازات الطبقية للإخوان المسلمين، فهم ومن ينتمي إليهم، ومن يمثلهم، معنيون بهذا، ولسلامة كيلة ولهم أن يتجادلوا بالطريقة، وفي المكان، والزمن المناسب لهم. وعلى الهامش، لن أناقش مسألة "الصراع الطبقي"، فما زال ظني أن "مفهوم الطبقة" نفسه تراجع، بل كاد أن يندثر، بفعل سيطرة (وتوحش) المفاهيم الرأسمالية وتجلياتها المتتالية، حتى كاد أن يتحول مفهوم "الصراع الطبقي" إلى لغة متحفية.
فقط يعنيني هنا أن أعيده إلى جوهر القضية، وسأتجنب استعراض مواقفي الشخصية المسجلة كتابة، وبطرق أخرى، في التنبيه قبل "30 يونيو" بشهور، من أن انقلاباً قادماً في الطريق، وقد سبقني لذلك مئات، بل ربما آلاف، لكن أحداً لم يفعل شيئاً جديراً بإيقافه. وقد سقت في مقالي الذي يرد عليه الكاتب، أطرافاً من شواهد وأدلة كثيرة، مصرية، وإقليمية، ودولية، بعضها كان واضحاً، والآخر تكشف بالتتابع، تؤكد أن "30 يونيو" مبتدأ لخبر، في جملة "الانقلاب العسكري" على الثورة. وهذا أصل القضية، حتى وإن تمسك الكاتب بنصيحته لمن لا يزال يجادل في الحقيقة، أن سيروا ورددوا "30 يونيو مش قصيرة قزعة، 30 يونيو طويلة وهبلة".
أما مسألة أنه "لا يجوز الدفاع عن حكم إخواني" التي لم يجد الكاتب حرجاً في أن يوردها في
رده، فلعله يسمح لي بإحالتها إلى مفتي الديار الديمقراطية، في أيّ بلدٍ في العالم، ليصدر حكماً شرعياً باتاً فيها، ففيها تفصيلاتٌ كثيرة، وإن كانت تثبت ما بدا واضحاً بالضرورة من أن القطاع الأوسع من الليبراليين والعلمانيين، ومن يدّعون الانتساب لتيار اليسار، العرب، لا يشعرون بأي حرج، في لعن الديمقراطية، وأمها، وأبيها، إنْ جاءت لهم بمن يعتبرونه غريمهم، حتى لو كان هذا هو اختيار الشعب الذين يتغنون ليل نهار بحقه في الحرية، وحتى لو كان البديل "30 يونيو"، وما استتبعها من قتل وتعذيب وتشريد الملايين؛ فالقضية عندهم مبتدأ وخبر، ألا يصل هؤلاء إلى الحكم، وإن أزهقت أرواح نسائهم، وأطفالهم، وشيوخهم، وشبابهم، فذلك أفضل، وزيادة الخير خيران.
وليغفر لي أبانا الذي في المقال، إذا قلت إنه يجوز الدفاع عن الحكم الإخواني، والعلماني، والمسيحي، واليساري، واليميني، باعتبارها تيارات سياسية، "لا ثيوقراطية"، إن أتى وفقاً لقواعد ديمقراطية، وباختيار الشعب؛ وإن رأى هو غير ذلك، فليُحل أوراقي للمفتي.
قبل الختام، من باب اللياقة أن أقدّم شكري، "لأسد الميكروفونات"، الشهير بوزير خارجية مصر، سامح شكري، الذي تولى هو ومن أرسله إلى الأحضان الصهيونية الدافئة، عناء الرد على ما أورده كيلة في مقاله، حول واقعة الجملة البروتوكولية التافهة "عزيزي بيريز"، إذ نقلنا من العفريت الذي ركب بعضهم من هاجس التمكين إلى واقع "التمكين الصهيوني الجميل".
50C80A35-B0FB-49CC-BE88-9A8FC8B80144
نزار قنديل
كاتب وصحافي مصري، مدير مكتب مصر ورئيس قسم المراسلين في موقع وصحيفة "العربي الجديد". عمل في عدد من المؤسسات الإعلامية العربية والمصرية. يعرّف نفسه: كل لحظة تمر، بدون أن تكون لك كلمة حق وخير وجمال، هي وقت ضائع. كل لحظة لا تصمت فيها، إذا لم يكن لديك كلمة نافعة، هي ثرثرة ضارة. بعيداً عن الوقت الضائع، والثرثرة، أحاول أن أكتب. إن شئت فاقرأ ما تيسر من كتابتي.