اعتذارية كنعان مكية بطعم الخزي

اعتذارية كنعان مكية بطعم الخزي

12 يوليو 2016

كنعان مكية.. سردية اعتذار في "الفتنة" (Getty)

+ الخط -
ربما المثير للدهشة أن أغلب من كتبوا عن رواية العراقي كنعان مكية "الفتنة"، محبين وغير محبين لصاحبها ودوره، اتفقوا على أنها اعتذارية سردية مؤلمة من شخصٍ كان له دور كبير في التمهيد للغزو الأميركي للعراق وترويجه.
كنعان مكية، أو سمير الخليل في اسم مستعار، المهندس المعماري العراقي الذي غادر بلاده مبكرا، ولم يجد نفسه في الهندسة المعمارية، فقرّر أن يخوص في السياسة، عله يجد فيها مبتغاه، مستغلاً أجواء العداء العالمية التي كانت تكبر تجاه بلده، فكتب كتابه الأول "جمهورية الخوف" الذي روّجته دوائر مخابراتية غربية وأميركية، حتى خيل لهم أنه فتحٌ في معرفة ما كان يدور في العراق، مع كل المبالغات وكثير من الأكاذيب التي حفل بها العراق. ثم جاء كتابه الثاني "القسوة والصمت" عقب احتلال الكويت، وانتقد فيه صمت الدول العربية على ممارسات النظام ضد شعبه، من دون أن يلتفت إلى حجم الدعم العربي الكبير الذي حظي به التحالف الدولي الثلاثيني في حرب تحرير الكويت.
وكان مكية أحد عرابي الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، فهو صاحب المقولة الأشهر يوم أن بدأت الصواريخ الأميركية تدك بغداد وتغتال العراقيين شهراً "لهذه القنابل وقع الموسيقى في أذني. إنها أشبه بأجراسٍ تُقرع للتحرير في بلد تحوّل إلى معسكر اعتقال هائل".
كان أحد أذرع العراب الأكبر لاحتلال العراق، أحمد الجلبي، وكان أحد أكثر المعارضين العراقيين الذين تفتح لهم قصور الغرب والبيت الأبيض، للحديث عن بشاعة النظام العراقي، طارحاً أفكاره التي تدعو، ليل نهار، إلى احتلال العراق وتخليص شعبه من هذا النظام.
وجد مكية نفسه في أتون غمرة ونشوة كبيرتين، يوم أن شاهد تمثال صدام حسين يتهاوى في ساحة الفردوس في بغداد عام 2003، عاد بعد 13 عاماً من حكم رفاقه المعارضين هذا البلد، ليجد نفسه خارج سياقات التاريخ، بل ربما في أسوأ مزابله التي لا ترحم من يخون بلاده، تحت أي سبب أو مسمى.
وجد مكية نفسه، وعقب كل هذا الخراب الذي طاول العراق على يد رفاق نضاله، مجبراً على أن يخرج باعتذارية بطعم الخزي على دوره في احتلال العراق، فكانت "الفتنة" سرديةً اعتذارية ، يسعى منها لترميم شيءٍ من شخصه.
وإذا كانت الرواية تنفتح على مشهد إعدام الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، وتقديم وصف يبدو مختلقاً لعراقي شيعي ممن شاركوا بعملية حراسة الرئيس الذاهب إلى حبل المشنقة، فإنها مثلت جانباً من صراع بات يعيشه مكية، عقب كل الذي حل بالعراق من خرابٍ وتدمير حوله إلى واحدٍ من أكثر بلدان العالم فساداً، وبات القتل فيه يوزع يومياً بالمجان على العراقيين، عقب تجربة طويلة من الأنظمة العراقية التي بقيت محافظةً على تماسك هذا البلد وصلابته.
حيدر، بطل الرواية، ليس سوى مكية الذي صار يعيش هذا الصراع النفسي بعد 13 عاماً من احتلال العراق، وبات يراجع كل خياراته، حتى تجاه صدام حسين الذي نعته مكية يوماً بأقذع النعوت.
يصف مكية مشهد إعدام صدام من خلال بطل روايته حيدر بالقول "نجح الطاغية في إذلال سجانيه....كان مجرد حضور هذا الرجل قد أصاب الجميع بالشلل"، وهو ينقل مشهد مشيته الواثقة أمام مجموعة من الحرس الملثمين وعدد من ساسة ما بعد 2003 الذين كانوا يرتجفون أمام منظره. ويكتب مكية، الحاقد على صدام حسين، وأحد أبرز معارضيه سنوات، في "الفتنة" بإعجابٍ عنه، فهو يورد، في مقطع آخر على لسان حيدر، "لم يستسلم الطاغية. هنا يكمن معدن هذا الرجل، القائد الحقيقي المخلص لمعنى القيادة التي آمن بها دوما... كل من تواجد في غرفة الإعدام كان عربي اللسان، وعربي الأصل، لكنه لم يكن عربي الروح".
يخطئ مكية إذا اعتقد أن سردية الاعتذار في "فتنته" كافيةٌ لتبرير ما جرى وما سيجري في العراق. يخطئ كثيراً إن اعتقد أن الشعب العراقي سيسامحه، أو يسامح جوقة ما كان يعرف بالمعارضة العراقية آنذاك، على ما جرى في بلدهم، بل ستزيد مرافعته الاعتذارية من خزي كل من سهّل احتلال العراق وساهم فيه ودعمه.
ستبقى دماء أكثر من مليون عراقي وخمسة ملايين طفل يتيم تلاحق كنعان مكية وجوقته، وسيبقى العراق يتذكّرهم بخزي، كما بقيت بغداد تتذكّر ابن العلقمي.

96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...