شتاء أوكرانيا المشتعل

شتاء أوكرانيا المشتعل

08 يونيو 2016
+ الخط -
أنتجت شبكة "نتفليكس" الأميركية فيلماً حول الأزمة الأوكرانية، في 2015، حمل عنوان: "شتاء مشتعل: معركة أوكرانيا من أجل الحرية"، والذي يوثق الاحتجاجات التي انطلقت في العاصمة الأوكرانية كييف نوفمبر/ تشرين الأول 2013، ثم تحولت إلى ثورةٍ مسلحة، وحركة انفصالية ممتدة في شرقي البلاد، واحتلال روسي لجزيرة القرم، الأمر الذي ما يزال يهدّد بصراعٍ أوسع، لا يمكن تخمين تداعياته بين روسيا وحلف الناتو. 
للأزمة الأوكرانية سياق تاريخي طويل ومعقّد، يوثق جزءاً مهماً منه كتاب "الأزمة الأوكرانية وصراع الشرق والغرب"، الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، لمحمد الكوخي. فأوكرانيا الحديثة وليدة تغيرات جيوسياسية كبرى، وهي بالأساس جزء من الإمبراطورية الروسية، وأجزاء منها كانت تحت هيمنة إمبراطورية النمسا والمجر، ثم أصبحت إحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي التي تتمتع بالحكم الذاتي، وتمت إضافة شبه جزيرة القرم، ذات الأغلبية القومية الروسية، إلى الأراضي الأوكرانية، في وقت متأخر، سنة 1954.
المجتمع الأوكراني منقسم بصورةٍ معقدةٍ، بين قوميتين روسية وأوكرانية، وأوكرانيين يتحدثون اللغة الروسية، وروس يتحدثون الأوكرانية، ونموذج حكم يفتقر لاحترام التعدّدية الثقافية، وأحزاب قومية متطرفة تريد فرض الخيار الروسي على كييف، وأخرى أوكرانية، تريد الهجرة غرباً شطر الاتحاد الأوروبي.
أما الساسة الأوكرانيون، أولئك الذي يديرون دفة الحكم في البلاد، منذ انهيار الاتحاد السوفييتي واستقلال أوكرانيا، فليسوا أقل انقساماً من شعبهم. يجادل محمد الكوخي أن الطبقة السياسية في أوكرانيا كانت "أولغارشيات" استفادت من خصخصة القطاع العام، بعد انهيار المنظومة الشيوعية.
والمثير للسخرية، هنا، أن الحزب الشيوعي هو الذي قاد عملية الخصخصة، وأفراده هم الأكثر استفادة منها. فقد قاموا ببناء إمبراطورياتٍ مالية، بسبب نفوذهم السياسي، وحكموا الدولة، بهذه الصفة، بطريقة أقرب للمافيوية.
المصالح التجارية لـ "الأولغارشيات" التي تتحكّم بالبلاد، كانت بصورةٍ ما، ضمانا لوحدة أراضيها، على الرغم من تشتت ولاء الطبقة الحاكمة، شرقاً وغرباً. لكن هذا التوازن انهار مرتين، الأولى عندما تم الطعن في نزاهة انتخابات 2004، التي فاز فيها الرئيس الأوكراني، المقرب من روسيا، ليونيد كوتشما، والذي أطاحته "الثورة البرتقالية". والمرة الثانية، عندما رفض الرئيس الأوكراني، المقرّب من روسيا أيضاً، فيكتور يانوكوفيتش، توقيع اتفاقية التجارة والشراكة مع الاتحاد الأوروبي، مفضلاً توقيع اتفاقية تجارة حرة، مع الجانب الروسي، في 2013.
أعود إلى فيلم شبكة نتفليكس "شتاء مشتعل"، فهو يبدأ بعد هذه النقطة تحديداً. أي أنه، بصورة أو أخرى، يتجاهل كل ما تم ذكره في المقال، حيث تبدأ الأحداث في الفيلم بعد رفض الرئيس الأوكراني توقيع اتفاقية الاتحاد الأوروبي، فانطلقت المظاهرات في "الميدان"، أي ميدان الاستقلال في كييف، والذي كان الأوكرانيون يطلقون عليه اسم "الميدان" بالعربي، تيمناً بميدان التحرير في القاهرة الذي شهد ثورة 25 يناير 2011.
من الصعب أن تُفهم ثورة، من خلال فيلم وثائقي، بالتركيز على أحداث الاحتجاجات على الأرض، من دون الحديث عن التاريخ السياسي، بشكل أكثر إسهاباً. في فيلم نتفليكس، لا يبدو واضحاً سبب هذا الغضب الشعبي العارم في أوكرانيا. كما أن السلطة، والتي ثار الناس ضدها، غير واضحة المعالم. هل الثورة ضد النظام السياسي؟ أم ضد رئيسٍ بعينه؟ أم توجهه؟
وتأتي أسئلة أخرى لها علاقة بالانحيازات. فالمتظاهرون الأوكرانيون ضد النظام، هم مقاتلون من أجل الحرية. ماذا عن المتظاهرين المنحدرين من أصولٍ روسية، والذين يرفض الكثير منهم الخيار الأوروبي، ويريدون التماهي مع روسيا، في الأقاليم الشرقية للبلاد، هل هم مقاتلو حرية؟ أم انفصاليون ومتمردون كما يشار إليهم دائما؟
بالتأكيد، لا يمكن أن تتوقع من فيلم وثائقي أن يسرد كل شيء، لكنك تتوقع، على الأقل، حدّاً أدنى من المعلومات التي لا يمكن تجاهلها.
لكن المثير للانتباه في الفيلم، الإشارة إلى الأدوار الإيجابية لرجال الدين المسلمين والمسيحيين في دعم الثورة الأوكرانية. وهنا يأتي السؤال: لو كانت الثورة في بلدٍ إسلامي، فهل سيتم الاحتفاء بدور رجال الدين بهذا الشكل؟
424F7B7C-113B-40E9-B0BD-EFA3B6791EB5
بدر الراشد

كاتب وصحافي سعودي