بريطانيا: وداعاً أوروبا

بريطانيا: وداعاً أوروبا

25 يونيو 2016

بريطانيا صوتت للخروج من الاتحاد الأوروبي (24يونيو/2016/Getty)

+ الخط -
عموماً، لا أحد يفهم ماذا يريد البريطانيون تماماً، وكيف يفكّرون تكتيكياً، لكنهم واضحون في الشقّ الاستراتيجي: نحن أولاً. البريطانيون لا زالوا يحيون في سياق "الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس". موقعهم الجغرافي، في وسط الكوكب، واعتماد غرينتش محور التوقيت العالمي، من علامات "التفوّق البريطاني".
خرج البريطانيون من الاتحاد الأوروبي بعد 43 عاماً من العضوية، وهم الذين لا تربطهم به علاقات مماثلةٌ كعلاقات معظم دول الاتحاد. لم يأبه البريطانيون بدعوات رئيس وزرائهم، ديفيد كاميرون، ولا بدعوات المعارضة العمالية بقيادة جيرمي كوربين، بل انصاعوا إلى أكثر الخيارات "يمينيةً"، بقيادة نيل فاراج، لإظهار عدم ذوبانهم بأوروبا بالكامل.
حسناً، تحققت "الإيغو" البريطانية، وخرجت المملكة من اتحادٍ بدأ يهتزّ أخيراً. ماذا بعد؟ انهارت العملة المحلية في أكبر تدهور أمام الدولار الأميركي منذ العام 1985. في هولندا، خرج اليميني المتطرّف، غيرت فيلدرز، ليطالب باستفتاءٍ مماثل في بلاده علّها تخرج أيضاً. وجدت زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية الفرنسية المتطرفة، مارين لوبان، في الخروج البريطاني، فرصة مؤاتيةً للمطالبة بخروج فرنسا أيضاً. إسكتلندا التي وافقت، في اللحظة الأخيرة، على البقاء موحّدة مع بريطانيا، في استفتاء سبتمبر/ أيلول 2014، تندب حظها. بدأت أيرلندا الشمالية تفكّر بالوحدة مع جمهورية أيرلندا، وإنهاء ذيول الماضي في بلفاست. ويلز لا تبالي، فالتداخل بينها وبين انكلترا أكبر من تداخل إسكتلندا أو أيرلندا الشمالية فيها. كارديف تعتمد بشكل كبير على لندن اقتصادياً.
لن يعتمد البريطانيون الأسلوب النرويجي في التعاطي مع أوروبا، فهم، قوة عظمى ونووية وإحدى خمس دول دائمة العضوية في الأمم المتحدة. تريد بريطانيا إظهار أن أوروبا تحتاجها لا العكس. وهو ما سيتجلى في ازياد دعوات التفكّك عن الاتحاد، إما لصياغة اتحاد جديد، بصورة مماثلةٍ لاستبدال "عصبة الأمم" بـ"الأمم المتحدة" بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، أو لإعادة زمن الدويلات القومية. وستزداد دعوات الانفصال إلى أبعد من الاتحاد، إلى الكيانات القومية داخل البلدان، كأقاليم الباسك وكاتالونيا في إسبانيا، وكورسيكا في فرنسا، وسردينيا وتيرول الجنوبية في إيطاليا، والفلاندر والوالون في بلجيكا وغيرهم.
لن تكون أوروبا إطلاقاً كما كانت، كما أن شراكتها مع دول متوسطية، كلبنان والمغرب ومصر وتونس وفلسطين والجزائر والأردن وسورية وليبيا وموريتانيا وغيرها، لن تبقى على مسارها. باتت تركيا التي هدّد رئيسها، رجب طيب أردوغان، باستفتاء الشعب التركي في مسألة الانضمام لأوروبا من عدمها، أكثر قوة، مع خروج بريطانيا. أضحت الديون اليونانية في وضعٍ دقيق مجدّداً، وقد يطاول ذلك إيطاليا وإسبانيا والبرتغال.
بدأت ألمانيا، قائدة الاقتصاد الأوروبي، تجد نفسها وحيدةً، على الرغم من مناشدات سياسييها وووسائل إعلامها للمواطنين البريطانيين بالبقاء في أوروبا، وهو أمرٌ نادر الحصول ألمانياً، لو لم تكن برلين متأكّدة من أنها ستكون الخاسر الأكبر، إلى حدّ ما، بالخروج البريطاني.
إذا كانت القارة الأوروبية وبريطانيا الخاسرين الأكبرين في الاستفتاء، إلا أن الرابحين الأساس، هما من خارج القارة. فعلى مسافة نحو 5900 كيلومتر غرباً و2500 كيلومتر شرقاً من لندن، ترى الولايات المتحدة وروسيا على التوالي، أن "مصيرهما" الواحد في الثنائية القطبية عالمياً، هو المنتصر بعد 25 عاماً على سقوط الاتحاد السوفييتي، وانتهاء الحرب الباردة.
الآن، سيعود منطق هذه الحرب. دول صغرى تبحث عن حماية دول عظمى. أوكرانيا وحيدة الآن في مواجهة روسيا، ولا يُستبعد عودة حزب "الأقاليم"، الموالي لموسكو، أو ما شابهه إلى السلطة في كييف. فرنسا وألمانيا تحتاجان إلى البقاء معاً لتجاوز الخسائر الاقتصادية، وعدم السماح لليمين بالوصول إلى السلطة. اليمين القومي؟ بمعزلٍ عن قضية الهجرة، بات العنصر الذي لا يُمكن تجاوزه، وهو الذي سيدفن الوحدة الأوروبية إلى الأبد.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".