إدمان الفشل في مصر

إدمان الفشل في مصر

15 يونيو 2016
+ الخط -
تهتم المؤسسات الدولية بإصدار تقارير دورية تشمل مؤشرات ومقاييس عديدة، فهناك تقارير دولية دورية عن الشفافية، ومقياس معدلات الفساد في مختلف دول العالم. وهناك مؤشرات جذب الاستثمار وقياس درجة سهولة إجراءات إنشاء الشركات والاستثمارات أو تعقيدها، وهناك تقارير ومقاييس جودة التعليم في مختلف الدول، وهناك أيضا تقارير ومؤشرات درجة السعادة، وهناك تقارير ومؤشرات درجة العنف في المجتمعات، وهناك مئات التقارير والمؤشرات الدولية، التي تصدر في مختلف المجالات العلمية والطبية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ونظرا للحالة التي تمر بها مصر، في السنوات الأخيرة، أتحدث، هنا، قليلا عن بعض ما قرأت أخيراً عمّا تعرف بـ (مؤشرات فشل الدولة) أو مؤشرات الدولة الهشّة، وهي تقارير تصدر عن مختلف المعاهد البحثية والمؤسسات الدولية في العالم، وأهمها تقرير البنك الدولي ومؤشراته، التي يؤخذ بها قبل تقديم القروض للدول التي تمر بأزمات اقتصادية، وكذلك يأخذ بنتائجها المستثمرون قبل المجازفة باستثمار رؤوس الأموال.
فهناك المؤشرات الاجتماعية، التي تأخذ في الاعتبار نصيب الفرد في مجتمعه من الاحتياجات الأساسية، ودرجة الخدمات والرعاية الصحية والتعليم والطاقة والمياه والمواصلات والضمان الاجتماعي، وكفاءة الخدمات المقدمة من الدولة، وقياس معدل العنف والجريمة، وقياس معدل التوافق والسلام المجتمعي، أو درجة الانقسام المجتمعي إن وجد، وكذلك قياس ظواهر هل الدولة جاذبة أم طاردة للعقول والكفاءات، وهل يوجد اضطهاد لإحدى الفئات، وكذلك قياس مدى انتشار قيم التسامح وقبول الآخر والسلام الاجتماعي في ذلك المجتمع، ومدى تقبل الرأي الآخر.
وهناك المؤشرات الاقتصادية، مثل قياس معدل النمو الاقتصادي، ومعدلات التنمية المستدامة وكيفية توزيع عوائد النمو والاستثمار، وكذلك حجم الدين العام ومستويات الفقر ومعدلات البطالة وقياس قدرة الدولة على جذب الاستثمار وقيمة العملة المحلية وقياس درجة قوة الاقتصاد الموازي ومدى قدرة الدولة على تحصيل الضرائب.
وهناك مؤشرات أمنية، مثل قدرة الدولة على تطبيق القانون على كل الفئات بدون استثناءات أو تمييز، وقدرة الدولة على توفير الأمن للمجتمع، وسط السيطرة على كامل الأراضي، ومدى احترام السلطة التنفيذية القانون، ومدى احترام المواطنين القانون، ومدى عدالة التشريع وحياديته، ومدى عدالة تطبيق القوانين والتشريعات وحياديته، وكذلك معدلات العنف والجريمة والإرهاب والتعديّات والانتهاكات والتجاوزات.
وهناك مؤشرات سياسية، مثل درجة الحريات واحترام حقوق الإنسان والديمقراطية وتداول
السلطة وحرية العقيدة وحرية التعبير وحرية الصحافة، ودرجات المشاركة الشعبية والمجتمعية في اتخاذ القرار، وطبيعة القوانين واحترامها الحريات واحترام القانون، ونسبة الإجراءات الاستثنائية وطبيعة نظام الحكم بشكل عام، وطبيعة المجتمع المدني، ودرجة مشاركته ونوعيتها.
تمثل كل المؤشرات السابقة مكونات مؤشرات درجة الهشاشة أو الفشل للدول، ويصدر بشأنها تقرير سنوي عن كل دول العالم، ويكون لكل منها من صفر، الذي يمثل أقل درجة للهشاشة والفشل، إلى 120، الذي يمثل أقصى درجات الفشل في دول، مثل الصومال والسودان وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى.
وبناء على كل ما سبق، كيف تتخيل أن تكون التقارير والمؤشرات التي تصدر عن مصر، وحاول أن تتوقع ما هي درجة مصر في مؤشر هشاشة الدول، أو مؤشر مدركات الفساد؟ ولماذا تحاول حكوماتنا حجب معلومات عنا، على الرغم من أنها معلومة للمؤسسات الدولية المنوط بها إصدار تلك المؤشرات السنوية، لتكون مرشداً للمؤسسات المالية الدولية والمستثمرين؟ ولماذا تم ذبح المستشار، هشام جنينة، عندما قال الحقيقة في تقرير تم وضعه بطلبٍ ومشاركةٍ من الحكومة المصرية، بعد طلب البنك الدولي والمؤسسات المالية الدولية؟ وهل من الصواب أن نكذب دائماً ونخفي رؤوسنا في الرمال، ونتجاهل الحقائق، ونهرب من مواجهة المشكلات من جذورها، بحجة "صورة مصر"؟ وهل إنكار الفشل والفساد واتهام المؤسسات الدولية بالتآمر على مصر والانحياز ضد مصر ينفي أن مصر تعاني، بالفعل، من الفشل الإداري والفساد؟
لك أن تتخيل ماذا يقول العالم عن مصر بناء على "حقائق" وتجارب موثقة بشأن إجراءات إنشاء الشركات، وتشجيع الاستثمار ودرجات مكافحة الفساد. ماذا يقول العالم عن مصر في هذا العدد الضخم من المسجونين والمحاكمات وتلفيق التهم؟ ماذا يقول العالم، وهو يرى السلطات المصرية تعتبر أن النقد والمعارضة والاختلاف مع الرئيس والحكومة أخطر بالنسبة للرئيس والحكومة من الإرهاب؟ وهل الحل تفسير الانتقادات الداخلية والتقارير الدولية بالمؤامرة الكونية، وتجاهل الفشل الإداري وغياب التخطيط، وهذا الاهتمام بالقمع السياسي على حساب الأمن الجنائي؟ هل الحل هو تجاهل انتشار الرشى والفوضى الأمنية والبلطجة، وكذلك زيادة انتهاكات حقوق الإنسان، وعودة ممارسات القمع والتعذيب؟
أثبتت تجارب العالم أنه لا استقرار اقتصادياً أو نمواً أو جذباً للاستثمار أو تنشيطاً للسياحة بدون استقرار سياسي وسلام مجتمعي، وإنكار وجود أزمة واللعب على عامل الزمن لن يفيد، لأن النار ستظل موجودة تحت الرماد، طالما هناك ظلم وتلفيق التهم وتوسيع في الحبس الاحتياطي وأحكام مشددة لأتفه الأسباب. ستظل النار تحت الرماد، طالما هناك عائلات وأبناء وأقارب ينضمون كل يوم إلى قائمة المعاناة.
وحتى الآن، هناك إصرار الجمود والعناد، وتكرار التجارب الدموية نفسها التي حدثت في بعض دول المغرب العربي، حيث استمر نزيف الدم عشر سنوات، قبل أن يظهر أحد ليدفع في اتجاه اتفاقٍ ما أدى إلى عدالةٍ انتقالية، ثم الاحتواء بدلا من الإقصاء. وهذه العدالة الانتقالية وهذا الاحتواء هو ما منع تحول الاحتجاجات الشبابية في المغرب والجزائر في2011 إلى ثوراتٍ، كما حدث في المشرق العربي. وهذه العدالة الانتقالية والاحتواء في دول المغرب العربي هي التي قطعت الطريق أمام محاولات "داعش" والقاعدة لتجنيد مزيد من الشباب.. خصوصاً من يميلون إلى الفكر الإسلامي منهم، فالفصل بين التطرف والاعتدال هو الحل الأمثل، بدلاً من معاداة الجميع ووضعهم في سلة واحدة.
ولكن، ماذا تتوقع من نظام لا يعرف إلا لغة القوة والقمع، ويعتبر كلمات مثل العدالة الانتقالية وإعادة السلام المجتمعي كلمات قبيحة وإباحية، نظام يعتبر الاختلاف والنقد والمعارضة أخطر من الإرهاب، نظام يصر على معاداة الشباب ومعاداة المستقبل؟
DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017