عن هجاء أميركا

عن هجاء أميركا

02 يونيو 2016
+ الخط -
كنتُ، وما زلت، ضد الإمبريالية الأميركية، ولم أخلط في موقفها من الثورات العربية، ولا تشكّكت في إمكانية تدخلها في سورية منذ البدء، كما توهم رهط من المعارضين ومحبي "الغرب". لكن الملفت أن هؤلاء المحبين باتوا يسترسلون في خطابات الهجاء ضد أميركا، بعد أن اكتشفوا أنها ليست مع الثورة السورية، ما يعني بالنسبة لهم أنها معهم في تغيير النظام، وستقوم بتغييره "كرمان عيونهم"، أو لأنها "ضد النظام". فجأة، ظهر أنها ليست معنية بهم، بل معنية بروسيا.
كان واضحاً أن أميركا سعت إلى إطفاء الحريق سريعاً، بعد انفجار الثورات العربية من خلال تغيير الرئيس، وترتيب مشاركة الإسلاميين في السلطة، على أمل أن تنتهي الموجة، ويتوقف المد الثوري الذي وصل إلى إسبانيا وإيطاليا وفرنسا. بالتالي، كان همّها تدمير الثورات وليس دعمها، بغض النظر عن موقفها من النظم. بالضبط، لأن هذه الثورات هي الأخطر عليها في عالم رأسمالي، يعيش أزمة عميقة لا حل لها. لهذا، حين وصلت الثورة إلى سورية، كان يجب تدميرها، وليس دعمها. ولأنها لا تستطيع فعل ما قامت به في تونس ومصر، عبر الضغط من أجل تغيير سريع للرؤساء، فقد ارتبكت ومالت إلى تشويه الثورة، ومن ثم دعمت الدور الروسي، هذا منذ بداية سنة 2012.
كانت المعارضة في واد آخر، حيث توهمت أن أميركا تريد فعلياً تغيير النظام، بعد أن أسقطت صدام حسين، وتدخلت في ليبيا. ولم تلمس أن تدخلها في ليبيا كان جزئياً وعابراً، ولقد حاسب مجلس النواب الرئيس باراك أوباما على قراره التدخل الجوي. كذلك، لم تلمس تحسّن العلاقات بينها وبين النظام منذ سنة 2010. ولا تابعت التغيّر الكبير في الإستراتيجية الأميركية الذي بدأ يظهر سنة 2010 وتبلور بداية سنة 2012، وقام على أساس أولوية آسيا والمحيط الهادئ، وليس "الشرق الأوسط" كما كان قبلاً. وبالتالي، أخذت أميركا تنسحب من "الشرق الأوسط"، ومن ثم باتت هذه المنطقة مجال مساومةٍ مع روسيا. ومن ثم "باعت سورية لروسيا"، كما كتبت منذ ذلك الوقت.
إذن، يمكن القول إن سياسة المعارضة، منذ بدء الثورة، كانت خاطئة، وأيضاً مدمّرة، ومضرّة بالثورة، حيث دعت إلى تدخل إمبريالي، كان يخيف قطاعاتٍ كبيرة من الشعب السوري (كما كتبت حينها). ومن ثم ظلت تضرّ الثورة طوال السنوات الخمس، نتيجة أوهامها حول التدخل الأميركي، ومطالبة "الصديق الأميركي" بدعم الثورة، من دون فهم أن هذا "الصديق" هو أصلاً ضد الثورات التي بدأت في تونس وتوسعت، وكان يخاف امتدادها العالمي. وأصلاً، لم يكن ضد النظام، كما كانت تتوهم المعارضة، بل عمل على إعادة ترتيب العلاقة معه.
الآن، ماذا يفيد كل هذا الردح لأميركا؟ انقضى الزمن، وما ظهر أن المعارضة لا تمتلك القدرة التحليلية على فهم العالم، وتحديد الصديق والعدو. وأنها أضرّت الثورة بما يكفي، وهي تراهن على عدوٍّ، لكي يغيّر النظام كي تحكم هي، قابلة بأن تكون "عميلة" له. لكنه كان في وادٍ آخر، ولا ننسى تقييم باراك أوباما لهم، الذي أظهر استخفافاً كبيراً بهم، واستهزاءً مذلاً لقدراتهم. وماذا يقول عن "نخبةٍ" ليس لديها قدرة على فهم العالم، وتقدير مصالح القوى المتصارعة، وأصلاً ليست مقبولة شعبياً، بالضبط لأنها لا تفهم مشكلاته؟
رفقاً بالردح لأميركا، فلن تفيد شيئاً، ولن يجعلها تتراجع عن موقفها المبني على مصالحها التي تحدّد التحالف مع روسيا (أو على الأقل المساومة معها). ما هو مهم ألا تتوهموا في أصدقاء هم فعلياً ليسوا كذلك، على الرغم من أنكم ما زلتم تؤكدون صداقتهم، وتتوهمون أنهم طريق الخلاص. وما يجب أن يكون واضحاً هو أن كل المتصارعين في سورية وحولها ينطلقون من مصالحهم، وكلهم معادون للثورة وللشعب السوري. فليس للثورة السورية أصدقاء سوى الشعوب فقط، وهذا ما يجب أن يُبذل الجهد من أجله.