الخراب مشروعاً إيرانياً للعرب

الخراب مشروعاً إيرانياً للعرب

06 مايو 2016
+ الخط -
لم يَجد فائض القوة الذي تتمتع به إيران تفريغاً له سوى دمار في الدول العربية المجاورة لها. وفي حين تعيش إيران هدوءاً وأماناً لافتيْن، تعيش بعض الدول العربية المحيطة بها في ظل حروبٍ، وأخرى في قلاقل، وغيرها في ظل توتر، لإيران دور غير مستترٍ فيه، فالمشاريع التي تحملها إيران للمنطقة العربية، والقوة العسكرية، معداتٍ ورجالاً، التي بدأت إيران في بنائها بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، لمواجهة الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، كما ادّعت، لم يكن لها أن تستمر من دون تفريغ احتقانها. لكنها، وللأسف، تفرّغت خراباً جلبته لعدد من الدول العربية، حيث لم يرشح من اليد الإيرانية التي مدت للتعاون مع العرب سوى عداء تجلى مشاريع تدميرية في لبنان والعراق والبحرين وسورية واليمن، إذ تعتبر أدوارها في مآسي هذه الدول الأمثلة الأنصع لمشروع الخراب هذا.
وفيما يخص وقوفها في وجه الولايات المتحدة، "الشيطان الأكبر"، ومخططاتها وادّعاء العداء لها، تشكل حالة كل من أفغانستان والعراق المثال الأوضح على ما يُخالف ذلك العداء. حيث يعتبران دليلاً على التناغم الإيراني-الأميركي، وعلى التنسيق منقطع النظير بين طرفيْن، يفترض أنهما عدوّان. بل كان واضحاً أن الولايات المتحدة، بعد احتلالها العراق، قد أطلقت يد إيران فيه لتفعل به ما تشاء. وبقي التوتر المصاحب للبرنامج النووي الإيراني في طور التجاذب السلمي، ولم تتجلَّ التهديدات الأميركية بتدميره سوى هجماتٍ فيروسية هدفت لتعطيله. وبقي العداء اللفظي قائماً، إلى أن تفرغ اتفاقاً بين المجموعة الدولية وإيران العام الماضي، أنهى التوتر وفتح صفحة جديدة بين إيران والغرب، فأزال الإيرانيون، بموجبه، كل مظاهر العداء للغرب من خطاباتهم، وعن جُدُر مدنهم.
واستناداً للتناغم المذكور، ذهبت إيران إلى أبعد الحدود في التصرّف بالعراق، حتى أصبحت المقرّر في تشكيلاته الحكومية، والمؤثر الفاعل في انتخاباته، وفي تغليب فئات من أبنائه على الفئات الأخرى. وكان دورها فعالاً في الحفاظ على الفساد الذي ينخر كيانه، ويهدّده بالسقوط. دورٌ وفسادٌ، ليس أدل على حجمهما من منعها محاكمة رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، لمسؤوليته عن احتلال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الموصل. تلك المسؤولية التي حدّدتها اللجنة البرلمانية التي كلفت بالتحقيق في حيثيات هذا الاحتلال، ووثقتها في تقريرها المقدم للبرلمان العراقي. علاوة على ائتمار قوات الحشد الشعبي بإمرتها، وتنفيذها أجنداتٍ طائفيةً في المناطق التي تقاتل فيها.
وبقي مشروع محاربة إسرائيل، "الشر المطلق" لتدميرها، موضوعاً مؤجلاً في السياسة
والممارسة الإيرانيين حتى يومنا. فالقوة المسماة "باسيج" التي أعدتها إيران لتحرير القدس، والضخ الإعلامي الخاص بهذا الموضوع، والمتواصل أكثر من ثلاثين عاماً، وجد له قنواتٍ أخرى، غير قنوات فلسطين كي يقاتل فيها، كما في سورية، في مهمةٍ أبعد ما تكون عن مهمة التحرير. بل إنه ساهم في إحداث قضية لاجئين جديدة، يمكن لها أن تتخطى مأساة اللاجئين الفلسطينيين في حجمها، علاوة على دورها الفاعل في التسبب في دمار جزء كبير من البلاد. وحيث أن الحدود السورية مع فلسطين المحتلة يمكنها المساعدة في عبور قوات الباسيج والحرس الثوري نحو القدس لتحريرها، إلا أن هاتين القوتين فضلتا القتال في سورية، مساهمةً في قتل أهلها وزيادة تعقيد الملف السوري المعقد بطبيعة الحال، وإبعاده، قدر الإمكان، عن سكّة الحل. وبالتالي، إطالة أمد الحرب التدميرية في هذا البلد. وذلك كله يأتي في وقتٍ لم تنل فيه إسرائيل من عداء إيران لها، إلا مزيداً من الدعم الغربي، والتضامن معها في وجه الحملات الإعلامية الإيرانية الداعية إلى تدميرها.
وقد ربطت إيران نياتها لتحرير القدس بالوجود في لبنان المحاذي لفلسطين المحتلة، مرّة عبر كتائب تابعة للحرس الثوري، وبعدها عبر حزب الله الذي أغدقت عليه الدعم لهذه الغاية. لكن وقوف لبنان في وجه العدو الصهيوني لم يكن بحاجةٍ إلى المساعدة في تغليب طرفٍ من الأطراف السياسية والدينية فيه، على الأطراف الأخرى. وفي حين كان دعم إيران حزب الله في فترة من الفترات موجهاً لمقاومة إسرائيل التي لم تكن تفتقد من يقاومها في لبنان قبل ظهور حزب الله وبعده، فإن هذا الدعم أدى إلى تحكم هذا الحزب بمصير البلاد، وأدخلها في صراعات إقليمية لا قِبل لها فيها. ويستمر حزب الله في تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية منذ ما يقرب السنتين، علاوة على تحكّمه بالجيش وقوى الأمن والمطار وغيرها من مرافق البلاد وإداراتها. وطبعاً، يصبّ ذلك كله في منع بناء دولةٍ، ينتفي بوجودها أي مبرر لوجود قوى من خارج مؤسسات الدولة وجيشها، تدّعي حماية لبنان من أعدائه.
وفي اليمن، وحيث إن الحوثيين، القريبين مذهبياً من إيران، كانوا بحاجة إلى من يأخذ بيدهم تطوراً، من خلال مشاريع تنمية لمناطقهم وتحسين وضعهم المعيشي والتعليمي، عبر بناء المدارس والجامعات فيها وتوطين استثمارات لتوظيف العاطلين منهم عن العمل، إلا أن إيران فضلت استبدال هذا بمدّهم بالسلاح، وتجييشهم ودفعهم للانقضاض على الشرعية التي حكمت بعد إطاحة ثورة الشعب اليمني دكتاتور بلادهم، علي عبد الله صالح. فأدخلوا البلاد، بفعلتهم تلك، في حربٍ أهليةٍ تدميرية، ما جلب لهم عداء أبناء جلدتهم، وأحدثَ شقاقاً في المجتمع اليمني، قد لا تندمل جراحه إلا بعد مضي عشرات السنين.
لا تنكر إيران تدخلها الكبير في الدول العربية، بل دعت قيادتُها الروس للتنسيق معها والتدخل في اليمن، تكراراً لتجربة الطرفين في سورية. وحيث إن إيران تجد تدخلها في هذه الدول أمراً طبيعياً تفرضه قوتها وضعف أبنائها، إلا أن أي مبرّرات تضعها لنفسها، ليست مقبولة لدى غيرها من الدول. وهو ما جعل دول العالم الإسلامي تدرك هذا التدخل وتدينه، في البيان الختامي للقمة الثالثة عشرة لمنظمة التعاون الإسلامي التي اختتمت أعمالها في إسطنبول في 15 إبريل/نيسان الماضي، وتدعوها إلى عدم التدخل في شؤون الدول المجاورة لها، واحترام استقلالها وسيادتها ووحدة أراضيها، بعد أن استفحل تدخلها، ووصل إلى حدود التدمير القصوى التي بات استمراره معها يهدّد المنطقة برمتها بالانفجار، وبقية دول العالم بتلقي تبعات هذا الانفجار.
46A94F74-0E6B-4FEC-BFDA-803FB7C9ADA6
مالك ونوس

كاتب ومترجم سوري، نشر ترجمات ومقالات في صحف ودوريات سورية ولبنانية وخليجية، نقل إلى العربية كتاب "غزة حافظوا على إنسانيتكم" للمتضامن الدولي فيتوريو أريغوني، وصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.