الفلوجة... عادوا لينتقموا

الفلوجة... عادوا لينتقموا

31 مايو 2016
+ الخط -
كل من يعتقد أن الحرب على الفلوجة هي محاولة لإعادة المدينة إلى حضن العراق "الدافئ" واهم، فحكومات وبرلمانات كالتي تدير شؤون العراق منذ ثلاث عشرة سنة، لا يمكن لمن فيهما أن يفكّروا بتحرير أرض، وهم في كل يوم وساعة يستعبدون العراقيين ويقتلونهم، ويسرقون خيرات العراق، حتى باتت أرض النفط بلا نفط، وبلا أموال قادرة حتى على سداد رواتب موظفيها.
داعش، التنظيم الإرهابي، ليس سوى سببٍ وذريعةٍ لتستعيد العملية السياسية بعض أنفاسها، بعد أن وصلت إلى حافة النهايات، وبعد أن أصبح العراق الدولة، في مهب الريح، وبعد أن وضعت أحزاب السلطة نفسها في مواجهةٍ مباشرة مع الشعب الذي تيقّن من فسادها وإجرامها.
عندما قرّر رئيس حكومة بغداد، حيدر العبادي، شن حربه على الفلوجة، كان يدرك جيداً أن لهذه الحرب ضرورات، فهي فرصته للتخلص من ضغط الشارع الشيعي الذي خرج يتظاهر مطالباً بإقالته، واستقالة الحكومة ومحاربة الفاسدين، فرصته بعد أن أصبحت منطقته الخضراء المحصّنة، مسرحاً للجماهير الغاضبة، فكانت الفلوجة منفذه للخروج من أزمته.
مثله كان الحال مع سليم الجبوري، رئيس البرلمان، الذي وجد نفسه محاصراً بين نوابٍ يطالبون بإقالته، وجماهير تضامنت معهم، فأعطى الموافقة على بدء معركة الفلوجة، وهو يعلم أن فيها 100 ألف مدني محاصرون بين داعش التي تمنع خروجهم والقوات الحكومية والمليشيات التي تعتقل الرجال إذا ما نجحوا، أصلاً، في الخروج من قبضة التنظيم.
مقتدى الصدر، الذي جيّش أنصاره ضد الحكومة، ورفع سقف مطالبه، وبات قاب قوسين أو أدنى لأن يتحول إلى زعيم شعبي، وجد في معركة الفلوجة فرصته للتخلص من ضغط الجماهير، بعد أن أطلق وعودا كبيرة، لم يحقق منها شيئاً، وأنهى اعتصاماً كبيراً لأنصاره وله، قبالة المنطقة الخضراء، وبدلاً من استكمال ما بدأ، خرج في ليلة ظلماء إلى إيران، معلنا اعتكافه.

كانت حالة الانقسام التي ضربت البيت الشيعي قاصمةً قبل معركة الفلوجة، ففي آخر اقتحامٍ للمنطقة الخضراء، قتل ثلاثة من المتظاهرين، وكانت أصابع الاتهام تتوجه إلى مليشيا الخراساني وعصائب أهل الحق، مما يعني أن إمكانية اندلاع حربٍ شيعيةٍ شيعيةٍ كانت قد وصلت إلى مشارفها، فالحادث وقع الجمعة، وليلة الإثنين أطلق العبادي ساعة الصفر لمعركة الفلوجة، فوجد الجميع فيها فرصته للخروج من مأزقهم السياسي.
كانت العملية السياسية قد وصلت إلى حافّتها، فلا برلمان قادر على عقد جلساته، ولا حكومة مكتملة النصاب، ولا أحزاب قادرة على أن تقنع الشارع بطروحاتها. وفي المقابل، كان تنظيم داعش يفجر ويقترب من مناطق حسّاسة، فكان لا بد من حربٍ توحّد المتفرقين، فكانت الفلوجة.
لا يمكن أن نصدّق أنهم جاءوا الآن، وفي هذا التوقيت، لتحرير الفلوجة من داعش، فداعش تحتل المدينة منذ عامين ونصف العام، والمدينة محاصرةٌ من كل جانب، والقوات العراقية تقدّمت في الرمادي وبدأت تعزل الفلوجة، وبالتالي، لا جدوى عسكرية حالياً من هذه المعركة، سوى الفائدة السياسية التي يمكن أن تحققها قوى سياسية وحكومية، ومن خلف كل هؤلاء كانت إيران.
وعندما نقول إيران، نعي ما نقول، ولعل وجود قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، وعشرات المستشارين الإيرانيين، يجعلنا ندرك حقيقة ما تريده إيران، ليس من الفلوجة وحسب، وإنما أيضا من العراق.
أدركت إيران جيداً أن حلفاءها في العراق لم يعودوا قادرين على ضبط إيقاع الشارع الشيعي، وباتت طهران تدرك أن الخلافات التي عصفت بالبيت الشيعي، الذي تدير كل خيوطه، قوية، وربما لم يعد ممكناً تجمعيهم وتوحيد مواقفهم، فكان لا بد من عدو، وليس أفضل من الفلوجة. ولكن، لماذا الفلوجة قادرة على أن توحد كل هؤلاء الفرقاء، شيعة وسنة، عملية سياسية، وطبعاً إيران وشيطانها الأكبر أميركا؟
يشي تاريخ المدينة بأنها صعبة المراس، لم تستطع أن تروّضها قوة أميركا عام 2004. يومها حشدت واشنطن كل قواتها في أبريل/ نيسان من ذاك العام، غير أنها خرجت سريعاً من المدينة، بعد أن علقت جثث مقاوليها على جسر المدينة، وبعد أن قتل من جنودها المارينز العشرات، وبقيت المدينة تحكم نفسها عشرة أشهر، قبل أن يعاود المارينز حربهم، بعد تهيئةٍ أرضيةٍ لجريمةٍ سترتكب، فمنعوا الإعلام من تغطية المعركة. وبعد 33 يوماً من القتال المتواصل، لم يجد المارينز بدّاً سوى باستخدام الفسفور الأبيض، فجرت على أرضها وقائع واحدةٍ من أبشع جرائم العصر الحديث.
ويبدو، اليوم، أن أميركا، وإن كانت غير موافقة على توقيت المعركة، إلا أنها غير معترضة، وجدت فرصتها لرد الدين لمدينة المساجد، ومثلها إيران التي بقيت الفلوجة غصّةً في فمها، فعلى الرغم من كل المحاولات التي شنها في العامين الماضيين، إلا أن الحشد الشعبي فشل في اقتحام المدينة.
كالعادة، إنهم الفقراء، المدنيون، الأبرياء، الذين يحلمون بالأمن والستر والعافية، هم الضحايا، ضحايا مغامرات تنظيم داعش الحالم بالخلافة، وضحايا سلطةٍ عراقيةٍ لا تؤمن إلا بالمذهبية والإقصاء والانتقام والحقد، وضحايا اتفاق إيران مع شيطانها الأكبر أميركا، ولا عزاء للذين يأملون أن تكون هذه المعركة مغايرةً لجرف الصخر أو يثرب أو تكريت.

96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...