نتنياهو – ليبرمان وطبخة خلط الأوراق

نتنياهو – ليبرمان وطبخة خلط الأوراق

30 مايو 2016
+ الخط -
منذ تشكيله حكومته الضيقة، ونتنياهو يتصادم مع كل اتجاهات المجتمع السياسي والحزبي الإسرائيلي، وفي وقت تترصده قضايا فسادٍ عديدة؛ لم يأل جهدا للصدام مع كل الاتجاهات، بدءاً ممن في صفه وفي حزبه، مروراً بعتاة اليمين الاستيطاني المتطرّف، وصولاً إلى اليمين العنصري والفاشي، وقد توجت جهوده، أخيراً، بتوسيع حكومته بانضمام أفيغدور ليبرمان وحزبه "إسرائيل بيتنا"، على أن يتولى الأخير، وضمن صفقة مساومةٍ سياسيةٍ وزارة الدفاع، وذلك بعد استقالة موشيه يعلون، في أعقاب تصريحات خلافية مع نتنياهو، ودفاعه عن نائب رئيس هيئة أركانه، يائير غولان، لتشبيهه ما يجري اليوم في إسرائيل بما حدث في ألمانيا النازية.
وهكذا بين شد نتنياهو وجذب ليبرمان، سوف تشهد الحلبة السياسية الحكومية الإسرائيلية أشكال مزايداتٍ عديدة بين طرفي التطرف الفاشي، والإيغال أكثر في سلوك ممارساتٍ سوف يزايد كل طرف فيها على الآخر، ليتهمه بعدم الحسم، وعدم إظهار العداء الكافي أو استعمال القوة المفرطة، في مواجهة العدو الفلسطيني، في غزة والضفة الغربية والقدس، أو المواطنين الفلسطينيين في مناطق الاحتلال الأول عام 1948.
وبانضمام ليبرمان المتطرّف لحكومة يمينية متطرّفة أساساً، يكون نتنياهو قد كسب جولة جديدة، من جولات صراعه المستمر للبقاء سيد الحلبة السياسية الإسرائيلية، وبدعم عربي وأوروبي، وبالطبع أميركي، على ما اتضح في محادثاته مع زعيم المعارضة، يتسحاق هيرتزوغ، التي فشلت بسبب الطابع المرن للأخير، وطرحه صيغ تسويةٍ لا يقبل بها نتنياهو على الإطلاق، وما انقلاب رئيس الائتلاف الحكومي على هيرتسوغ، واستبداله بليبرمان، سوى محاولة ناجحة، لإفشال المبادرة الفرنسية، أو على الأقل عرقلتها ووضع العقبات أمامها، وحرمانها أو التقليل من إمكانية فوزها، بتحريك الجهود السياسية، مقدمةً لتحريك المفاوضات. ومن جهةٍ أخرى، لإفشال الصيغة التي وردت في خطاب الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وقطع الطريق عليها في محاولتها لإتمام جهود المصالحة الفلسطينية؛ مقدمةً للبدء بجهود التسوية والتفاوض بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وبذا كانت وتكون الحكومة الإسرائيلية الجديدة واحدةً من خطوات الصد أمام أي تحرك إقليمي أو دولي، لتحريك جهود التسوية والمفاوضات التي يعمل نتنياهو على إفشالها من الأساس، حيث عاد وأكد، في اجتماع حكومته قبل أيام، على مبدأيه من أجل استئناف المفاوضات: "دولة فلسطينيّة منزوعة السلاح، والاعتراف بدولة إسرائيل دولة يهوديّة"، مدّعيّاً أن هذه ليست "شروطاً لبدء المفاوضات، إنما نهايةً ناجحة لمسار سياسيّ، يشتمل على مفاوضاتٍ مباشرةٍ ثنائيّة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، من دون شروط مسبقة، ومن دون إملاءاتٍ دوليّة". ويشكل هذا، في حد ذاته، حسماً وتقريراً إسرائيليا لنتائج المفاوضات، قبل أن تبدأ.
وعلى الرغم من الجهود غير العبثية التي أوصلت نتنياهو إلى إنقاذ حكومته الضيقة بتوسيعها، وفض اشتباكها مع جهود التسوية السياسية، وإفراغ الجهود العربية والأوروبية من مضامينها العملية، بدأت الحلبة السياسية الإسرائيلية حراكاً من نوع آخر، تمثل في محاولة إعادة اصطفاف قوى المعارضة، وذلك ليس على قاعدة التناقض مع الحكومة الجديدة، بل على قاعدة التوافق معها، بإعادة التفاوض مع نتنياهو للانضمام إلى حكومةٍ أكبر من موسعة، على الرغم مما قد تثيره هذه الخطوة من تفكّك المعسكر الصهيوني، وتهيئة انشقاقٍ أو أكثر داخل حزب العمل.

ومن جهةٍ أخرى، هناك في المعارضة، كبعض مكونات "المعسكر الصهيوني" وبعض المنشقين عن الليكود، وأطراف في الوسط، وقوى عديدة متضررة من سمعة الحكومة، وليس من بعض سياساتها، من لم يزل بسعى إلى التكتل بغرض إقامة "حزب يميني عاقل"، كما أسماه بعضهم، أو بحسب ما أطلق عليه بعض آخر تسمية "حزب وسطي له نكهة يمينية ولون قومي"؛ وذلك بهدف تأسيس حزب على غرار حزب كاديما (كاديما 2)، مهمته، بحسب محللين، "إقامة مساومة سياسية تعيد إسرائيل إلى مسار التاريخ، وتُنجيها من التحول إلى دولةٍ ثنائية القومية".
وبحسب المحلل السياسي في القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، أمنون أبراموفيتش، فإن حزباً كهذا يمكن أن يتشكل من تكاتف كل من رئيس حزب "ييش عتيد"، يائير لبيد، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، غابي أشكنازي، والوزير السابق من الليكود، جدعون ساعر، ويعلون وبقية المطرودين من الليكود.
في هذا الاتجاه، يفسر محلل الشؤون الحزبية في صحيفة هآرتس، يوسي فيرتر، تصريحات يعلون "حول سيطرة جهات غريبة على الليكود"، بالقول إن الفرصة متاحةٌ لحزبٍ مركزي جديد. ويعلل رؤيته بالإشارة إلى الحاجة لقوى عاقلة، وخصوصاً ناخبي الليكود واليمين الذين سئموا التغول والإفساد اللذيْن تتدهور فيهما السياسة القومية بقيادة نتنياهو. وعلى هذا الأساس، يبني فيرتر ترجيحه بأن يستغل يعلون فترة اعتزال الحياة السياسية التي فُرضت عليه، من أجل الاستعداد مجدّداً لتنظيم القوى، وإطلاق دعوة سياسية جديدة، لافتاً إلى أسماء محتملة في حزبٍ جديد، مثل ساعر والوزير بيني بيغن ورئيس الدولة، رؤوفين ريفلين، والوزير السابق، دان مريدور، ورئيس حزب (كلنا) المنشق عن الليكود بقيادة وزير المالية الحالي، موشيه كحلون. ويعتبر أن حزباً يمينياً فقط تكون قيادته مقبولة لدى ناخبي الليكود، في وسعه صنع التغيير، ووقف ما أسماه "العهد الملكي" لنتنياهو الذي يزاول اليوم ولايته الرابعة، منذ شغل رئاسة الحكومة للمرة الأولى في 1996.
في ضوء هذا كله، ستبقى إسرائيل، بائتلافها الحكومي الجديد، تعيش في دوامة عدم استقرار سياسي؛ ليس شرطاً من داخلها، بل ومن خارجها، على الرغم من إمكانية استقرار أطرافها بخياراتهم الاستعلائية، وحيرتهم التي تزيدها حيرة نتنياهو، وهو يخضع لمساوماتٍ غير مبدئيةٍ مع بعض أطراف ائتلافه، وما يزعمه من مبدئية تسويته التي لا يسعى جدياً إلى إقرارها مع الطرف الفلسطيني، على الرغم من الدعم العربي والغربي الذي يحاول تقديم أقصى المساعدة له، من دون أن يسعى هو، في المقابل، إلى تقديم المساعدة لنفسه ولإسرائيل، في مواجهة استحقاقات التسوية والتفاوض مع الفلسطينيين، في وقتٍ يُصاب الفلسطينيون، على الدوام، بخيبة أمل، جرّاء استمرار الرهان على "حل الدولتين" الذي صار خلفنا، بفعل الوقائع الاستيطانية، وسيطرة اليمين الفاشي المتطرف، على مقادير السياسة الإسرائيلية، في وقت يستمر الفلسطينيون باللهاث خلف مبادراتٍ، هدفها تحريك مفاوضات ممتنعة، وستبقى ممتنعة، لأسبابٍ تتعلق بالجانبين، الإسرائيلي والفلسطيني، والحال العربي والإقليمي والدولي المتواطئ والعاجز عن الفعل والتأثير في مجريات السياسات الداخلية لدول المنطقة وأطرافها، أو هم لا يريدون ممارسة أي ضغوطٍ تجعل من تسويةٍ ما أمراً ممكناً، وهذا هو بالضبط ما يناسب سيد الحلبة السياسية الإسرائيلية واستمراره "الملك المتوّج" لإسرائيل.


47584A08-581B-42EA-A993-63CB54048E47
ماجد الشيخ

كاتب وصحفي فلسطيني مقيم في لبنان. مواليد 1954. عمل في الصحافة الكويتية منذ منتصف السبعينات إلى 1986، أقام في قبرص، وعمل مراسلا لصحف عربية. ينشر مقالاته ودراساته في عدة صحف لبنانية وعربية.