الطائرة المصرية المنكوبة: "فوبيا" الإرهاب الدولي

الطائرة المصرية المنكوبة: "فوبيا" الإرهاب الدولي

24 مايو 2016
+ الخط -
(1)
كانت أغلب كوارث الطيران تقع لأسباب فنية بحتة. ولكن، في حقبة الحرب الباردة، وبسبب تزايد المظلوميات السياسية، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط التي تجاوز أثرها الأفراد إلى المجتمعات، صار اختطاف الطائرات إحدى وسائل الضغط العنيف، للفت نظر الإعلام الدولي لقضايا الظلم السياسي، وتسليط الضوء على مظلومياتٍ طال أمدها. شكلت القضية الفلسطينية إحدى أهمّ القضايا التي شغلت الرأي العالمي، إبّان تلك الحقبة. واعتمدت بعض الكيانات الفلسطينية المتطرفة خطف الطائرات لاحتجاز الرهائن، ولم يكن من بين أهدافها قتل ركاب الطائرات المختطفة. بعد حوادث 11سبتمبر/ أيلول 2001 في الولايات المتحدة، وقد جرى تعريفها من المتطرفين أنها "غزوة نيويورك"، وقع تحوّل جذريّ، إذ صارت طائرات بلدان موبوءة بالنزاعات السياسية العنيفة هدفاً لعمليات انتحارية، تفضي إلى تفجيرها تماماً، ومقتل مَن عليها من ركابٍ في حالاتٍ كثيرة.
(2)
أثارت نكبة الطائرة المصرية رقم 804، يوم الخميس 19 مايو/ أيار 2016، تكهّنات عديدة، أكثرها ما تردّد عن احتمال أن يكون سقوطها إثر عمل إرهابي. ما يثير العجب أن التخرّصات استبقت عمليات العثور على حطام الطائرة، بما في ذلك صندوقاها الأسودان، وأخذت جهاتٌ إعلامية عديدة تردّد تصريحاتٍ ترجّح أن يكون سقوط الطائرة المصرية المنكوبة تم إثر عمل إرهابيّ.
بعد تزايد حوادث الإرهاب الدولي، قبل "داعش" وبعده، في الأشهر الأخيرة، جنحت أجهزة إعلام عالمية إلى أن تعزي حوادث الطيران وسقوط الطائرات، أخيراً، إلى متورطين في عمليات "إرهابٍ دوليّ". وتعكس العجلة الزائدة في الركون إلى اتهام "إرهابيين دوليين" وراء كلّ حوادث الطائرات نوعاً من "الوسواس الدوليّ" المرضيّ. اُنظر إلى الذي جرى في مطار شارل ديغول في باريس، أسرعت السلطات هناك إلى فحص تسجيلات آلاف آلات التصوير المزروعة في أنحاء المطار، وكذلك فحص وتدقيق أحوال العاملين في ذلك المطار. لربّما فرضت المغالاة في مثل ذلك السلوك الأمني مقتضيات الحرص على السلامة في مطارات أوروبا، قبيل إقلاع الطائرة المصرية رقم 804 من مطار شارل ديغول، لكنها تعكس أيضاً وسواساً أمنياً دفيناً.
من مثيرات الشكوك، أيضاً، ما تواتر عن قيام الطائرة بعدد من الرحلات في ذلك اليوم، بين مطارات تونس وأسمرا والقاهرة ثم باريس، بما يحمل اتهاماً مبطناً بتقصيرٍ أمنيّ أو فنيّ في تلكم المطارات، خصوصاً وأنّ ثلاثاً منها هي في بلدان لا يوثق في مقدراتها في التحكم أمنياً في مطاراتها، مقارنة بمطارات أوروبية، مثل مطار شارل ديغول الذي أقلعت منه لتهوي إلى أعماق البحر المتوسط، قبالة الإسكندرية، بستة وستين راكباً قضوا نحبهم على متنها.
(3)
على الرغم من أنّ البحث عن مسببات الحادث أمرٌ منطقي ومطلوب، تبقى كل الاحتمالات مفتوحة، وأقلها، في تقديري، احتمال أن تكون جريمة "إرهاب دولي"، وذلك، بداهةً، لعدم إعلان أيّ جهة أو طرف أو كيان متطرّف مسؤوليته عن الحادث. لكن العجلة لربط الحادث باحتمالات أن يكون عملاً إرهابياً يعود، في تقديري، إلى حوادث وقعت، أخيراً، وأعربت جهات بعينها عن مسؤوليتها عنها. أكتب مقالي هذا بعد انقضاء عددٍ من الأيام من وقوع الحادث، ولم تورد أيّ جهة إعلامية أن طرفاً ما أعلن عن ارتياحه لهذا الفعل الإجرامي، ناهيك عن الاعتراف بالقيام به.
الخشية أن يكون "الإرهاب الدولي" مشجباً معتمداً، نعلق عليه الإخفاقات الفنية والأمنية، لضمان سلامة ركّاب الطائرات. ليس لأيّ طرفٍ أن يُسارع برفع أصابع الاتهام، بل علينا، وقبل أن تتملكنا "فوبيا الإرهاب الدولي"، التزام التريّث إلى حين فكّ شفرة ما حدث، بعد العثور على الصندوق الأسود في تلك الطائرة المصرية المنكوبة.

دلالات