"السلام الدافئ"

"السلام الدافئ"

21 مايو 2016
+ الخط -
من الواضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، تلقف رسالة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حول "السلام الدافئ"، أو "الأكثر دفئاً"، مع إسرائيل على أكمل وجه. وها هو في الطريق إلى تسخين الأوضاع العسكرية، في إطار تأمين هذا الدفء بتعيين أفيغدور ليبرمان وزيراً للحرب. ليبرمان اليميني المتطرف الذي لم يتوان عن توجيه التهديدات يميناً ويساراً باتجاه غالبية الدول العربية، وتحديداً مصر، حين كان وزيراً للخارجية، سيكون الآن مسؤولاً عن الجبهات الحربية الإسرائيلية، وأميناً على "السلام" القائم بين الدولة العبرية وجيرانها، وخصوصاً السلطة الفلسطينية والأردن ومصر.
التعيين الجديد في وزارة الحرب الإسرائيلية يظهر مدى اهتمام نتنياهو بمبادرات "الود المجاني" التي تقدّم له، سواء من الزعماء العرب أو من الدول الغربية، وآخرها حديث السيسي الذي جاء خارجاً عن أي سياق، ومن دون أي مناسبة. حتى وإن كان قريباً من ذكرى النكبة، فالذي جاء على لسان الرئيس المصري بعيد جداً عن أجواء الإحياء العربي العام للذكرى، والذي كان يؤكد بشكل دائم، سواء كان هناك اتفاق سلام أم لا، على أن حقوقاً فلسطينية أهدرت في عام 1948، وأن أرضاً اغتصبت بغير وجه حق. هذا الكلام، والذي إن كان يقال فقط لتعبئة الدقائق على المنابر وذرّ الرماد في العيون، لم يرد في خطبة السيسي العصماء، بل ما ورد فيها كان محايداً إلى أبعد الحدود، إذ قال "الأيام اللي فاتت في ناس كانت بتحتفل بالاستقلال والانتصار وناس بتحتفل بالانكسار"، في إشارة إلى ذكرى النكبة التي تُسمى لدى الإسرائيليين بـ"عيد الاستقلال". جملة وردت خاليةً من أي انتماء أو موقف، من هذا الطرف أو ذاك. الرجل يتكلم وكأنه مراقب محايد لحالةٍ لا علاقة لمصر بها، لا سياسياً ولا جغرافياً، ولا حتى إنسانياً. لم يكتف الرئيس المصري بذلك، بل تقمّص الخطاب الغربي بالكامل، قائلاً "أنا لا بحب أناور ولا أخادع ولا أتآمر، لكن بقول لو في إخلاص حقيقي وإيجاد أمل للفلسطينيين وأمان للإسرائيليين سيتم إنجاز أكثر مما تم بين مصر وإسرائيل". هي مقاربة متوازية، الأمان لإسرائيل مقابل مجرد الأمل للفلسطينيين، وهي مقاربة مشابهة تماماً لما يتحدّث به المسؤولون الأميركيون أو الأوروبيون، بل ربما أقل منها، فالأخيرون يشيرون إلى إقامة دولة فلسطينية، إلا أن السيسي اكتفى بـ "الأمل".
كيف لمثل هذا الخطاب الآتي من رئيس أكبر دولة عربية، والذي تضاف إليه التصريحات الدائمة للرئيس الفلسطيني، محمود عباس، عن السلام والتنسيق الأمني، والإنجازات التي حققتها السلطة في هذا المجال، ومنعت بموجبها توسّع الهبة الشعبية، أن يثير اهتمام نتنياهو بأي نوع من أنواع السلام، ساخناً كان أو بارداً. فما هو موجود أمامه الآن على الأرض أكثر مما يريده. من المؤكد أن هذا ما دفعه، ويدفعه، إلى رفض أي مبادرةٍ ممكنةٍ لتحريك العملية السياسية، بغض النظر من أي مكان أتت. وها هو يحبط المبادرة الفرنسية الخاصة بالقضية الفلسطينية قبل انطلاقتها، على اعتبار أن فرنسا "منحازة للفلسطينيين"، ربما أكثر من السيسي.
إضافة إلى هذه المعطيات السياسية التي تعطي طمأنينة لنتنياهو، يمكن إدراج الأوضاع العسكرية في سورية، والتي تصب في السياق نفسه، وخصوصاً تورّط حزب الله فيها واستنزاف قادته، وحرصه على عدم التصعيد مع الاحتلال، وهو الأمر نفسه بالنسبة إلى حركة حماس والحدود الإسرائيلية مع قطاع غزة.
بناء على مثل هذه الأجواء "الودية"، لا شيء من الممكن أن يمنع نتنياهو من مزيد من التسخين، عبر تعيين ليبرمان وزيراً للحرب، ربما لتأمين الدفء المنشود.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير "العربي الجديد"، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".