ادخلوا الانتخابات، وإيّاكم أن تفوزوا

ادخلوا الانتخابات، وإيّاكم أن تفوزوا

19 مايو 2016
+ الخط -
(1)
على الإسلاميين دخول الانتخابات، والمشاركة في الحياة العامة، والتحول إلى العمل العلني، وهجر سرية التنظيم. ولكن، بشرط ألا يفوزوا، وإن أخطأوا وفعلوها، فلا صناديق ولا انتخابات، لأن الإسلامي الجيد معتقل أو معارض، أو قتيل.
(2)
لم تكن مشكلة الغرب الأساسية، في أي يوم، لا مع النفط، ولا مع الديكتاتورية، ولا نشر حقوق الإنسان. كانت مشكلته الكبرى، ولم تزل، مع هذا المارد النائم، أو المخدّر، المسمى "إسلاماً"، بل يمكن أن نجازف ونقول إن دوائر صنع القرار في الغرب تفضل أن تتعامل مع المسلم "المجنون" المتطرّف، المؤمن بالدم والقتل، ولا يؤمن بالتعايش مع المجتمع، لأنه يوفر على هذه الدوائر مبرّرات سفك دمه، وتغييبه، وطرده إلى اللامكان. أما المسلم "المعتدل" المتحضر، المؤمن بالمشاركة والتعايش مع الأنظمة القائمة، ومناجزتها قانونياً وشرعياً، وحضارياً، فهو مسلم مُتعِب، ويجب محاربته سراً وعلانية، بالتآمر السري الخفي أو بالخشونة العلنية، إن عزّت الوسائل. وبالمناسبة، المسلم هنا ليس مَنْ دينه الإسلام فقط، بل حتى نصارى بلادنا يندرجون تحت هذا التعريف، ومستهدفون، كونهم مسلمين حضارةً وهوية ثقافية، وكم سمعنا من قصص من بلاد الغربة، لأصدقاء وأقارب، تعامل معهم المجتمع الغربي، والشعوب الغربية، والقوانين الغربية، باعتبارهم "مسلمين" حضارةً لا ديانةً، واستُهدفوا عنصرياً بهذه الصفة. من هنا، تصبح المشاعر السائدة في بلادنا الشرقية التي تتغذى من عواطف طائفيةٍ أو إثنيةٍ، أو دينيةٍ، سوداء، جزءاً من التآمر على وحدة الأمة، وأمنها وسلامها، فالكل في بلادنا مستهدف، سنياً كان أو شيعياً، بروتستانت أم أرثوذكس، يزيدياً أو أزيدياً، بهائياً أو درزياً، ذلك أن المستهدف هو العقل الجمعي العربي، والهوية الجامعة، وأحد أهم مكوناتها: القيم والحضارة والهوية الإسلامية التي تمتلك آلية التمدّد وهضم الآخر، واستيعابه، وتستعصي على الذوبان فيه.
(3)
أذكر في عام مضى، حينما كنت في زيارة لمدريد، فاجأني سائق سيارة الأجرة الذي أقلني من المطار بسؤاله لي، حينما عرف أنني عربي: هل أتيت لفتح الأندلس؟ لم يسأل عن أصلي وفصلي، وطائفتي أو مذهبي، ولا حتى ما إذا كنت "مسلماً" ديانة. كان يكفي أن يعلم أنني عربي قادم من بلاد الشام، حتى يُلحقني بقبيلة عبد الرحمن الداخل الذي فتح الأندلس.
لم يكن سؤال سائق سيارة الأجرة ابن مدريد جاداً تماماً، لكنه جزء من المخيال الغربي الشعبي والرسمي، فنحن أبناء الشرق علينا أن نبقى في حالة بطالةٍ حضارية، كي يصول الغرب ويجول، ويبقى مسيطراً علينا على أي نحو من الأنحاء.
(4)
قبل أيام، وقعت على معلومات أصابتني بالدوار، فيما يتعلق بالتآمر المبكّر على العقل العربي، وهويته الثقافية والحضارية، أسوقها هنا دليلاً على ما أقول، مصدر المعلومات صفحة على "فيسبوك"، توثق، بشكل علمي بحت، للتاريخ الغائب الغابر، لهذه الأمة. وتجيب المعلومات عن سؤال غريب: لماذا منعوا كتاتيب تحفيظ القرآن في الدول الإسلامية؟ كان الجواب أكثر غرابة، خصوصاً وأن قصة الكتاتيب كلها كانت، ولم تزل، مدار تندّر في مخيالنا الاجتماعي، وتحمل صفة سلبية، حتى لدينا نحن من ندّعي الثقافة والوعي. ويا للدهشة، حينما نعرف سبب هذا المنع، فاقرأوا معي.
حصيلة الطفل الغربي اللغوية 16000 كلمة وهو في عمر ثلاث سنوات، في حين أن الطفل العربي محصور في اللغة العامية، وهي لغة الأم في البيت. والعامية للأسف الشديد محدودة، ومحصلتها 3000 كلمة فقط يتعلمها الطفل، أي أن الفارق بين حصيلتي الطفلين، الغربي والعربي 13000 كلمة لصالح الطفل الغربي .وبالتالي، يصبح عقل الطفل العربي يعيش في حدود ضيقة جداً من التحصيل اللغوي، وهذه معلومات مفزعة وخطيرة، معناها أن الأمة ضائعة أو تكاد .
جاء في كتاب صدر عام 1979 بعد الثورة الإيرانية، اسمه "الإسلام الثوري" إن الإنجليز
والفرنسيين عندما انهارت دولة الخلافة، وورثوها محتلين، أنجزوا مشتركين دراسة عن سبب قوة الإنسان، أو الفرد المسلم، والتي غذّت هذه القوة الجبارة، إلى حد أن المسلمين غزوا العالم من المحيط الأطلنطي إلى فيينا وضواحي باريس إلى الهند وأدغال إفريقيا، فوجدوا أن الطفل المسلم، من عمر ثلاث سنوات إلى ست سنوات، يذهب إلى الكُتاب ويحفظ القرآن، وبعد أن يحفظ القرآن من ست إلى سبع سنوات يدرس ألفية ابن مالك، وهي ألف بيت شعر، وهي تحوي كل قواعد اللغة العربية الفصحى .إذا الآن لدينا طفل عمره سبع سنوات، وهذه محصلته اللغوية، فهو طفل ليس عادياً بالنسبة للطفل الغربي، بل هو طفل "سوبر" جبار العقل والذكاء، حيث أن عدد كلمات القرآن الكريم، حسب تفسير ابن كثير، سبعة وسبعون ألف كلمة وأربعمائة وتسعة وثلاثون كلمة . فخلص الإنجليز والفرنسيون، من الدراسة، إلى أن سبب قوة الفرد المسلم الجبارة هي القرآن وكتاتيب تحفيظ القرآن، فألغت فرنسا الكتاتيب في إفريقيا، وجميع المدارس التي تحت سيطرتها في لبنان وسورية وإن بقى بعض الكتاتيب في سورية قاومت به المحتل لمدارسها. وفكّر الإنجليز، بشكل مختلف، وقالوا إن المصريين هم من "اخترعوا" الدين قبل الميلاد، وإن قلنا لهم إننا سنلغي الكتاب وتحفيظ القرآن لن نستطيع الوقوف أمامهم، ومن ثم أسسوا مدارس أجنبية لأولاد الأغنياء. ولكن، لن يتم فيها تدريس المنهج الإنجليزي، بل يجب أن يكون أضعف بكثير، لتكون لغة الأسياد للأسياد فقط، وحتى لا يستطيع الطفل العربي التوغل في العلوم والمعرفة، بسبب ضعف تحصيله لغة بريطانيا والغرب. وبعد ذلك، أنشأوا المدارس الحديثة، وكان عمر الطفل فيها من ست سنوات، وبالتالي، ضاعت من الطفل أهم فترة تحصيل في حياته، وهي من تاريخ ولادته إلى سبع سنوات تقريباً. وبالتالي، نجح الإنجليز في تضييع فترة تحصيل الطفل العربي اللغوية، وعندما يذهب الطفل للمدرسة في عمر ست سنوات يجد كلمات بالعربية الفصحي، وهذا غير ما تعلمه في البيت من كلماتٍ عاميةٍ، مختلفة تماماً عن المدرسة، فيجد الطفل نفسه واللغة العربية بالنسبة له لغة غريبة عليه، وصعبة التحصيل. ويبدأ مرحلة بُغض لغته منذ الصغر . وبالتالي، لن يتحدّث اللغة العربية بطلاقة، وضاعت منه أكثر من 77000 كلمة لغوية في عمر مبكر جداً.
قد يبدو هذا الموضوع غير ذي بال لدى بعضهم. لكن، إذا ربطناه اليوم بالهجمة الشرسىة التي تتعرض لها مناهجنا العربية، بدعوى محاربة التطرف و"الداعشية"، يدرك أن المستهدف من هذا كله العقل العربي، وهويته الثقافية والحضارية.
(5)
ونعود إلى ما بدأت هذه السطور به، وما يتعين علينا جميعاً أن ندركه جيداً، أن المستهدف في بلادنا "نحن" كلنا، بطوائفنا وأدياننا ومذاهبنا وأعراقنا، لأن الهوية الجامعة التي لا يختلف عليها أحد في بلادنا، هي الهوية العربية الإسلامية، حضارةً وثقافةً، ومخزوناً شعبياً وفكرياً ونخبوياً. وفي الوقت الذي ندرك فيه فحوى هذا الأمر، سنمسك بخيط النجاة، ونبدأ رحلة الخلاص من كل ما نعيشه من حروبٍ بينية، وتعذيبٍ للذات والبلاد والعباد.