أوهام دولة في مواجهة العالم

أوهام دولة في مواجهة العالم

18 مايو 2016
+ الخط -
ما قاله علي أكبر ولايتي، مستشار "الولي الفقيه"، ومهندس علاقات إيران الخارجية، لصحيفة الأخبار اللبنانية، يذكّرنا بمقولةٍ لنجيب محفوظ يصف فيها "الرجل الأحمق" بأنه "الذي يُحادثك وهو يبتسم لك، وقد أكل من لحمك حتى جفّ لسانه". هذا في حال أن يكون "الأحمق" إنساناً عادياً، فكيف إذا كان مسؤولاً في دولة، ومن صناع القرار القلائل فيها، وقد بلغ طيشه وشططه مبلغاً يضع دولته في مواجهة العالم، خصوصاً المحيط بها، والذي فرضت أقدار التاريخ ووقائع الجغرافيا على دوله أن تتبادل العلاقة في ما بينها، سلباً وإيجاباً.
ما يلفت النظر في حديث ولايتي وصفه بلاده "القوة الأكبر في هذه المنطقة". وامتدادا لهذا الوصف، يدفعه غروره الأعمى إلى إصدار أحكامٍ أقل ما يقال فيها إنها تفضح طبيعة المشروع العرقي- المذهبي الذي تستند إليه إيران، وتسعى إلى تكريسه واقع حال، ليس داخل حدودها وحسب، وإنما في كل بقعة في العالم، تصور لها أوهامها أن في وسعها التدخل فيها، وممارسة دور اللاعب الأول في سياساتها.
ومع تسليمنا بحقها في أن يكون لها آراؤها ووجهات نظرها في أمور المنطقة، ومع إقرارنا بتوفر إمكانات لديها للقيام بدور فاعل ومؤثر، إلا أننا ننكر عليها تصنيف نفسها "القوة الإقليمية" الوحيدة التي تمتلك الحق في تقرير سياسات هذا الإقليم، وأوضاع دوله، منتزعة أدوار دول المنطقة الأخرى، وحقها في المشاركة والتأثير، وإنْ توفرت لها ظروفٌ وأحوالٌ مستجدّة، ساهمت في إعطائها جرعة غرور زائدة، منها غياب موقف عربي موحد وفاعل من قضايا العالم ومجريات أحداثه، وقبل ذلك انكفاء المشروع القومي العربي لهذا السبب أو ذاك.
يلفت النظر أيضاً في حديث ولايتي أنه ينصّب نفسه حكماً على ما جرى ويجري في دول عربية، قد يعتبرها أجزاءً ملحقةً بامبراطوريته، فهو بخصوص ما جرى في العراق، أخيراً، نراه يسخر من واقعة اقتحام "المنطقة الخضراء" والبرلمان، حيث "هذا الأمر لم ينجح، واستطاع الحشد الشعبي أن يخلي الأطراف التي سيطرت بشكل غير قانوني على البرلمان". و"ما زال العراق مستمراً في المسار الذي بدأه، ... وهذه الحكومة الشرعية لن تتأثر بتحركاتٍ تقوم بها أطياف في المعارضة،... والحشد الشعبي الذي استطاع أن يتصدّى للمجموعات الإرهابية المتطرفة، مثل (داعش)، لا يصعب عليه أن يتصدّى لأطرافٍ غير مسؤولة وغير واعية، تثير بعض الاضطرابات والقلاقل في الساحة العراقية". ويخلص ولايتي إلى "أنه إن قيل إن هناك إمكانية لإزاحة الحكومة العراقية الحالية فهو ضرب من الوهم والخيال، .. ولن تتمكن أي قوة من إزاحة هذا الحكم في العراق".
ويُطمئن ولايتي السوريين المغلوب على أمرهم بأن "هناك إرادة راسخة، وعزماً أكيداً على ضرورة استمرار الدكتور، بشار الأسد، في رئاسة الجمهورية العربية السورية، ونحن نعتبر أن هذا الأمر خط أحمر بالنسبة إلينا"، ويبشّرهم بأن هناك دعماً عسكرياً من إيران وحزب الله لصالح النظام السوري. ولا ينسى أحداث اليمن، إذ يثني على "المقاتلين الحوثيين المتحدين بشكل قوي، والذين هم أكثر مقاتلي العالم العربي صلابةً وتصميماً، وفي أيديهم قدرة عسكرية متاحة".
بعد هذه الحزمة من التصورات والأحكام، التي تفضح تدخلات إيران وأدوارها السوداء في مناطق عربية شتى، لا يكف ولايتي عن إحساسه بالغرور والعنجهية، فيزعم أنه ليس لدى بلاده مطالب في مجال إرساء العلاقات مع الدول الأخرى، و"إذا ما شعرت هذه الدول بأن المصلحة الثنائية تقتضي بأن ترسي علاقات مع إيران، فهي التي تأتي إلى طاولة المفاوضات، وتتفاوض معها لإقامة مثل هذه العلاقات وإرسائها". يريد من الدول الأخرى أن تتقدّم راكعة، كي تمن عليها إيران بالعلاقة، أو تحجبها عنها، إن شاءت.
تلك بعض أوهام ولايتي التي جعلته مثاراً للسخرية، حتى في إيران نفسها. وكان رسام كاريكاتير إيراني قد رسمه على متن طائرة، يمسك بنظارة مكبرة، باحثاً عن أية دولة يعتقد أن لإيران مصلحة في إثارة الاضطرابات فيها، كي يطلب من الطيار الهبوط، ليؤدي واجبه هناك، في خدمة أهداف "الجمهورية الإسلامية".
هكذا يبدو ولايتي، ومن قبلها دولته، وبحسب شاعرنا، أعيت الحماقة من يداويها.
583FA63D-7FE6-4F72-ACDD-59AE85C682EB
عبد اللطيف السعدون

كاتب عراقي، ماجستير علاقات دولية من جامعة كالجري – كندا، شغل وظائف إعلامية ودبلوماسية. رأس تحرير مجلة "المثقف العربي" وعمل مدرسا في كلية الاعلام، وشارك في مؤتمرات عربية ودولية. صدر من ترجمته كتاب "مذكرات أمريكيتين في مضارب شمر"