"في قاع البئر" قصص تشبهنا

"في قاع البئر" قصص تشبهنا

12 مايو 2016

فلسطين حاضرة في قصص "في قاع البئر"

+ الخط -

أشعر بحنين شديد نحو القصة القصيرة، هذه الأيام، لكنني أجد صعوبةً في انتقاء قصص قصيرة، في ظل شحٍّ شديدٍ في الإنتاج القصصي، وخصوصاً في السنوات الأخيرة. أصبح فن القصة القصيرة يتيماً على مائدة غنية بالسرد، يلتم حولها الروائيون، غير آبهين بسوى كتابة رواياتٍ، ما دام الزمن هو زمن الرواية، كما ادعى بعض النقاد في توجيه عام للقراء، بالنشر والانتشار والجوائز والمهرجانات والندوات والقراءات وقوائم الأعلى مبيعاً للمكتبات ومعارض الكتب، حتى كدنا، نحن القراء، أن نغرق في الطوفان الروائي العارم الذي اجتاحنا ما بين الغث الكثير والسمين القليل.

وهكذا صرت أفرح، كمن وجد كنزاً قرائياً خبيئاً، كلما وقعت على مجموعة قصصية تستحق القراءة، فأحاول أن أساهم بلفت الأنظار إليها قدر استطاعتي، بالكتابة والتنويه.

مما وقعت عليه، أخيراً، مجموعة لطيفة عنوانها "في قاع البئر"، اشتهر مؤلفها السعودي فرج دغيم الظفيري بالكتابة للأطفال، قبل أن يقرّر، كما يبدو، أن ينتقل الى عالم الكبار، في هذه المجموعة التي صدّرها بلافتةٍ، تقول إنها مخصصة للناشئة، على الرغم من أن قراءةً سريعةً لها، تنسي القارئ أمر تلك اللافتة، وتجعله في خضم الحدث ذي الملامح العفوية الطازجة، بغض النظر عن عمره، أو مقدار تجربته في القراءة والحياة عموماً.

في هذه المجموعة المكونة من سبع قصص قصيرة، يتكئ الكاتب على موهبته البديعة في الكتابة، وعلى موروثه ومفردات بيئته وتفاصيل ذاكرته الجمعية، ليكتب قصصاً للناشئة العرب، تشبههم تماماً، بدلاً من استعارة ظروف الآخرين، والتأليف من خلالها. وبتوجيهه قصصه القصيرة لهذه الفئة العمرية من القراء، يسدّ ثغرةً، طالما عانت من وجودها مكتبة السرد العربي، ولا أظن أنه بتخصيص الفئة العمرية التي يقترح أن تقرأ المجموعة يصادر حق البقية في القراءة، بقدر ما يشجع الفتيان على ولوج عالم القراءة من تلك البوابة المناسبة، قبل أن يقرّروا المضي في دروب المكتبة.

في القصة الرئيسة التي حملت المجموعة عنوانها، على سبيل المثال، يقدم فرج الظفيري لقصته تقديماً معرفياً يرسم، من خلاله، ظروف الزمان والمكان للقارئ، بغض النظر عن كونه ناشئاً أم متمرساً في العمر والقراءة، بأسلوبٍ بسيطٍ ولغةٍ يوميةٍ سلسة، ما يجعل ذلك التقديم جزءاً من المتن السردي، بالإضافة إلى وظيفته الأساسية في التمهيد للحدث القصصي، بأجواء بيئته ومعطياتها. فيكتب: "كثير من البلدات التي أقيمت في المناطق الصحراوية كانت تجمعاً لسكان البادية، بسبب وجود مجموعة من الآبار التي يتزوّدون منها بالماء. ثم بدأ بعض الناس يستقرّون حولها بشكل دائم.

ومع مرور الأيام.. بدأت تظهر بيوت الطين وأكواخ الصفيح (العشيش). وكانت الحكومة تدعم استقرار البادية، من أجل توفير سبل عيشٍ أفضل لهم، ونشر التعليم بينهم. و"حفر الباطن"، في المملكة العربية السعودية، إحدى هذه البلدات التي بدأت تشهد استقرار أفراد القبائل القريبة منها، حتى صارت اليوم من المدن الكبيرة"، ثم ينساق وراء حدثه الذي يصبح تاريخاً شخصياً لقراء كثيرين في منطقة الخليج والجزيرة العربية الذين نشأوا في فضاءاتٍ مشابهةٍ لفضاء تلك المدينة الناشئة بدورها.

وهكذا، في بعض قصص المجموعة الست الأخرى، والتي انداحت لاحقاً في دوائر متداخلة، تتسع شيئاً فشيئاً، حول بؤرتها المركزية من منطقة الخليج والجزيرة العربية حتى قلب فلسطين وقضيتها التي أراد الكاتب أن يساهم في زرعها في وعي القارئ الصغير، باعتبارها قضيته الأم، مهما كانت الجغرافيا التي ينتمي إليها ضمن خريطة الوطن العربي. ولا أدري لماذا طعّم الكاتب مجموعته، ذات النسق المحلي، ببعض الالتفاتات البعيدة التي، على جمالها، لا تبدو متّسقةً مع الجو العام للمجموعة بأكملها.

صدرت مجموعة "في قاع البئر" عن نادي تبوك الأدبي في المملكة العربية السعودية ضمن سلسلةٍ أدبيةٍ رفيعة المستوى شديدة التنوع، لفتت إليها الأنظار في الآونة الأخيرة، واستحق نادي تبوك التحية عليها.

 

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.