فلسطين تقرأ العالم

فلسطين تقرأ العالم

12 مايو 2016

معرض الكتاب في رام الله.. إطلالة فلسطينية على العالم

+ الخط -
أن تكون هناك فلسطينياً قادماً من ذاكرة دم ومنفى وشهداء، تماماً في لحظة افتتاح معرض فلسطين الدولي العاشر للكتاب، في رام الله الحب والرقص والشهداء، أن تكون هناك، بكامل جراحك التي لا تيبس أبداً، أن تكون هناك فلسطينياً ذاهباً إلى عملك، أو عائدا الى بيتك، هارباً من حاجز يصرخ عليك جنود احتلال، لم يتمكنوا حتى الآن من قراءة عدالة الحق الفلسطيني، فهذا كله حافز لاستدعاء طاقة صمودٍ عجيبةٍ تصعد حيناً فينا، وتهبط حينا أخرى، طاقة تأتينا هذه الأيام من مصادر مختلفة، من مهرجانات رقص وموسيقى، من جوائز ثقافية دولية وعربية، يحصل عليها أدباء فلسطينيون، من إصداراتٍ أدبيةٍ مهمة جداً، من أمسيات شعر، من فكرة عودة فلسطينيي المنفى من الفنانين والأدباء للمساهمة في إنهاض جسد فلسطين المثخن بالمحتلين والسجون.
والمعرض في نسخته العاشرة، وإذ ينتقل بالثقافي في الفعل من الساكن السلبي الراكد، للفاعل المنطلق المحلّق في فضاء المعرفة والأدب، يبدو، هذه الأيام، مهرجاناً يكسر على الثقافة نخبويتها، ماداً يديه على اتساعهما للجميع.
هكذا تذهب فلسطين بعيداً في فكرتها، وهكذا يذهب "جندي الحاجز" في خسارته اليوم، وهكذا نحبّ الوطن في هذا الخلط الغريب اللذيذ بين الصعود في الروح الثقافية وهبوطه في هموم آلالام والخسارات الآنية.
ثمّة مفارقة قابلة للاحتفاء في ما يحدث، مفارقة تُخضع التاريخ، ولا تخضع له، كانت ستجعل من السكاكيني وجبرا ودرويش وإداورد سعيد وإميل حبيبي زواراً فخورين، للشكل الذي أحبوا، لا للمهزوم الذي أراده أدعياء اللطم الثقافي الجنائزي.
لا يستطيع الزائر الفلسطيني القارئ للمعرض العاشر أن يتخلص من شعوره المتوقع والجاهز بالحسرة، لأنه لا يستطيع أن يشتري المليون كتاب الموجود في 400 دار نشر محلية وعربية في المعرض. وليست الحسرة بالطبع غريبة على حياة الفلسطيني، كأنه مفطور عليها، منذور لها، كأنه لباسها، أو رائحتها، لا مجال لمقاومة إغراء الاصدارات الجديدة في حقول المعرفة كافة، والترجمات المفاجئة لأهم أدباء العالم وفلاسفته وعلمائه.
تحت شعار "فلسطين تقرأ"، ومن السابع وحتى السابع عشر من مايو/ أيار، وباستضافة ثقافة دولة الكويت، افتتحت وزارة الثقافة الفلسطينية في مجمع رام الله الترويحي معرض فلسطين الدولي للكتاب في دورته العاشرة، واشتملت كلمة الوزير الشاب الشاعر ايهاب بسيسو على رسائل مهمة، فقد شدّدت على أن "التحديات التي واجهتنا، ولا تزال تواجهنا، من أجل تنظيم فعاليات ثقافية على مستوى الوطن، قادرة على استقطاب جمهور من المثقفين الفلسطينيين من مختلف المحافظات، وأيضاً العرب والأجانب، مسألة معقدة جداً، وهي مسألة تندرج في إطار فك طوق العزلة التي يحاول الاحتلال الإسرائيلي فرضها على الإبداع الفلسطيني". وأكد بسيسو أن انتظام معرض الكتاب، في هذا العام، يشتمل على رسائل عديدة، إحداها إلى المثقف العربي والشعوب العربية والعالم، بأننا في فلسطين، وعلى الرغم من التحديات التي نواجهها بسبب جرائم الاحتلال والاستيطان، قادرون على الصمود والتحدّي بالثقافة، وفق رؤيةٍ تقوم على العمل التشاركي والتكاملي.
أجمل ما في المعرض ربط فترته برموز أدبية وإبداعية ووطنية فلسطينية، فانطلاقه في السابع من مايو/ أيار في ذكرى ميلاد الشاعر توفيق زياد، مروراً بذكرى رحيل الشاعر سميح القاسم في الحادي عشر من الشهر نفسه، وذكرى النكبة في الخامس عشر منه ، وهو ذكرى رحيل المسرحي السوري سعد الله ونوس، ما يعطي المعرض بعده الوطني، وفضاءه العربي، مع عدم إغفال خصوصية مشاركة مبدعي قطاع غزة في المعرض، حيث يشارك ما يزيد على أربعين مبدعاً ومبدعة في غزة، للتأكيد على الوحدة الوطنية من خلال الثقافة، وفك العزلة التي يعاني منها هؤلاء في القطاع.
فلسطين تقرأ العالم، فلسطين تؤكد، في معرضها العاشر للكتاب، أنها جزء من العالم، وقادرة على المساهمة في جماله وإنجازه.



دلالات

4855FC54-64E3-49EB-8077-3C1D01132804
زياد خداش

كاتب قصة فلسطيني، مواليد القدس 1964، يقيم في رام الله، يعمل معلما للكتابة الإبداعية، له عدد من المجموعات القصصية.