حوار معزول

حوار معزول

08 ابريل 2016
+ الخط -
على الرغم من العزلة الدائمة التي أعاني منها، إلا أنه، في بعض الأحيان، قد يحدث مصادفة أن ألتقي بعض أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، أو بعض المتعاطفين معهم، وتكون لحظات المصادفة قليلة ونادرة، دقائق قليلة أو ثواني، لكنها تعيدني لتذكّر بعض المواقف، أو التفكير في بعض الأشياء، فغالباً ما تكون تلك الدقائق والثواني إما لوماً أو شماتةً، خصوصاً لو كان من شبابٍ، أو لوماً ونقاشاً بشكل أكثر احتراماً، إن كان من أحد الأعضاء الأكبر سناً. لكن العامل المشترك دائماً هو اللوم، عنيفاً أو مهذباً، ويكون بالطبع بسبب "30 يونيو"، فهم حتى اللحظة لا يعترفون بأي أخطاء حدثت منهم، في أثناء فترة حكم محمد مرسي، ولا ما قبلها ولا ما بعدها. ولذلك، ستجد أي إخواني أو متعاطف يلقي اللوم دائماً على كل من شارك في "مؤامرة 30 يونيو" من وجهة نظرهم، فحتى الحركات الثورية التي شاركت هي التي تتحمل جزءاً كبيراً من مؤامرة وانقلاب 30 يونيو، وكل ما تبعهما.
وهذا ما يفسر مشاعر الشماتة التي أجدها أحياناً من بعض شباب "الإخوان"، حتى لو كان المسجون الذي يشمتون فيه قد دخل السجن، بسبب دفاعه عن حقوق الإنسان، أو بسبب عدم صمته على انتهاكات ما بعد "3 يوليو"، فهي وجهة النظر الأحادية نفسها التي ستجدها أيضاً عند أنصار عبد الفتاح السيسي كذلك، وهذا هو المشترك بينها، فالآخر هو العدو دائماً، ومن ليس معنا فهو علينا، ومن يختلف معنا هو الشيطان مصدر كل الشرور.
السؤال الذي أبدأ في سؤاله لنفسي، بعد أي مصادفة مع أي سجين إخواني أو متعاطف، هل فعلاً كان "الإخوان" ملائكة لم يرتكبوا أي أخطاء في أثناء فترة حكمهم وما قبلها وما بعدها، هل فعلاً كان "30 يونيو" خطأ؟ هل كان كله بترتيب الأجهزة، ولم يكن هناك أي مشاركة شعبية؟ هل كانت الحشود فوتوشوب، كما يقول "الإخوان"؟ هل تآمر العالم كله على "الإخوان" كما يزعمون؟ ومن الذي قاد إلى "30 يونيو"؟ أبدأ في التذكر وأعود بذاكرتي إلى "25 يناير" 2011، إعلان "الإخوان" عدم المشاركة لأن الحدث غير مضمون. أتذكّر التفاوض مع عمر سليمان ضمن الأحزاب الكرتونية في أثناء 18 يوماً، أتذكر تعطيل مساعي تشكيل مجلس رئاسي في 18 يوماً وما بعدها.
وبما أننا لا نزال في نطاق شهر مارس، فلا بد أن أتذكّر، في البداية، الحقيقة للكارثة التي
نعاني منها الآن، بدايه انقسام معسكر من شارك في "25 يناير"، بداية جمع "الإخوان" الغنائم قبل تغيير أي شيء في النظام. إنه الاستفتاء الذي تم فرضه علينا من تحالف العسكر و"الإخوان"، استفتاء اقتسام المصالح مبكراً بين العسكر والإسلاميين بشكل عام، هل تذكرون مصطلح غزوة الصناديق؟ واستفتاء الجنة والنار؟ صوّت بنعم لتدخل الجنة، أما التصويت بـ لا فسيدخلك النار مع الليبراليين والمسيحيين الكفار، بداية التخوين والتكفير، فمن اعترض على فكرة الاستفتاء أو بنوده أو توقيته تم وصمه بالكفر، أو محاولة إلغاء الشرعية، أو تم وصمه بالعمالة، ومحاولة تعطيل عجلة الإنتاج، هل تذكرون دفاع "الإخوان" عن المجلس العسكري في 2011 و2012؟
إنه استفتاء 19 مارس/ آذار 2011 الذي قاد إلى "30 يونيو"، فقد كان السلفيون يطمعون في تطبيق الشريعة الآن، ويعتبرون أنها الفرصة قد لاحت. وكان الجهاديون يطمعون في حلم دولة الخلافة، وكان "الإخوان" يطمعون في إجراء انتخابات مجلس الشعب مبكراً، أو استثمار الاستعداد التنظيمي في الفوز بعد حرمان عقود طويلة، ومنه السيطرة على الحكومة والسيطرة على كتابة الدستور. وبالطبع، كان هدف المجلس العسكري فرض سيطرته وسلطته في أسرع وقت ممكن، حتى تحين لحظة إعادة النظام القديم.
"الإخوان" والسلفيون والجهاديون والعسكر والفلول، إنه تحالف "19 مارس". ولكن، كانت المصالح متنوعة، هل تذكرون جمعات الشرعية وبداية استخدام الدين في الخلاف السياسي وبداية تكفير الآخر، هل تذكرون نوفمبر وديسمبر 2011، واشتباكات شارع محمد محمود وأمام مجلس الوزراء وادّعاء "الإخوان" أن من يشارك في تلك الاحتجاجات مخرّبون تدرّبوا في صربيا للتخريب ولتعطيل الانتخابات.
وعلى الرغم من كل ما اتضح من انتهازية في "الإخوان"، إلا أنه كان هناك سذّج أمثالي "عصروا الليمون"، وقالوا ليس هناك إلا محمد مرسي وأحمد شفيق، فربما يكون "الإخوان" تعلموا من أخطائهم، فلا تنتخبوا شفيق وتعالوا نجرّب مرسي، لكن مرسي و"الإخوان" أضاعوا الفرصة، ورجعوا إلى قواعدهم في مخالفة العهود، فتم تغيير ما تم الاتفاق عليه في "تأسيسية" الدستور، وتم تجاهل شعارات "مشاركة لا مغالبة"، ثم كان تخوين المعارضين، وكذلك تخوين عاصري الليمون و"6 إبريل"، وعاد استخدام الدين لتكفير المخالف.
هل تذكرون الإعلان الدستوري الذي كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير؟ هل تذكرون الإصرار على الدستور المعيوب؟ هل تذكرون الغرور الذي قاد إلى زيادة عدد الخصوم والأعداء؟ هل تذكرون ما بعد 25 يناير 2013؟ هل تذكرون النصائح المتكرّرة ثم الإنذارات؟
صحيح أنه كان هناك تخطيط من الأجهزة الأمنية، ورجال أعمال الفلول، من أجل استعادة السلطة، وإعادة نظام حسني مبارك و"أنهار الفساد"، لكن تجاهل الغضب الشعبي من "الإخوان المسلمين" والنزول العفوي لفئاتٍ كثيرة من الشعب ضد "الإخوان" لن يؤدي إلى حل، فإنكار الأخطاء التي قادت إلى "30 يونيو" هو استمرار للغيبوبة، ولمسلسل البكائيات إلى ما لا نهاية. نعم كان هناك تخطيط من الأجهزة قبل "30 يونيو". ولكن، ما كان سيحدث أي نجاح، إلا بعد عناد "الإخوان" وغرورهم الذي قاد نحو مزيد من الغضب الشعبي.
تخيّل لو كان محمد مرسي استمع للنصائح، وسعى إلى تقليل الخصوم والأعداء، وكان دعم مبدأ المشاركة كما وعد قبل فوزه. تخيّل لو كان "الإخوان" تخلوا عن الغرور، واقتنعوا بأنه لا يمكن فرض منهجهم بالقوة على كل المصريين، فالإخوان شريك رئيسي في "30 يونيو"، ليس فقط بسبب الغرور الذي أصابهم بعد فوز مرسي، وإنما كانت مشاركتهم منذ "صندوقراطية" وانتهازية مارس 2011، ولا حل إلا بعد اعتراف الجميع بالأخطاء، فالإخوان لم يكونوا ملائكة، وليس كل من وقف ضدهم من الشياطين.
DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017