الإسلاميون والقياس على الماضي

الإسلاميون والقياس على الماضي

05 ابريل 2016
+ الخط -
تنتشر بين أفراد الحركة الإسلامية ظاهرة ملفتة، وهي تشبيه الأحداث السياسية والحياتية التي يعيشونها بأحداثٍ ذكرت في القرآن الكريم، أو وقعت في السيرة النبوية، ذلك أن أكثر ما يرتبط به الفرد في بداية نشأته الفكرية داخل الحركة الإسلامية، وأكثر ما يشكّل وجدانه وعقله هو القرآن وقصصه وآياته والسيرة وأحداثها ووقائعها، ويغرس في تكوينه أن القرآن كتاب جامع، يشتمل على كل الحقائق، ويستوعب كل الأحداث، وكذا السُّنة والسيرة التي هي التطبيق العملي للمنهج القرآني.
ارتباط المسلم بالقرآن والسيرة وثيق، فلا حرج في فهم الأحداث الواقعة، والنظر إليها برؤية قرآنية إيمانية، بل لعله واجب منهجي أن تكون هذه هي زاوية النظر وطريقة الفهم والتحليل والتفسير. لكن التطبيق العملي لهذه الفكرة كثيراً ما لا ينضبط، وتحدث حالة من الاستسهال الشديد في إسقاط الآيات وإنزالها على الوقائع والأحداث، فيسبب ذلك اضطراباً فكرياً وحركياً لدى أفراد الحركة الإسلامية وجماهيرها، بل أحياناً ما يقود إلى بذر الشك في نفوس وقلوب بعضهم في صلاحية الفكرة والمنهج، عندما يصطدم ويرى أن واقعه مختلف عما ظن أنه يشبهه، فضلا عن حالة السخرية والتهكم لدى المختلفين فكرياً وإيديولوجياً مع الحركة الإسلامية، وهم يرون تخبط أفرادها وانتقالهم في الاستشهاد بين الآيات والأحاديث بشكل يظهر فيه تناقض في الاستشهاد أو خفّة في العقل والنظر.
ولكي ينضبط هذا الأمر، يحتاج مِن مَن يقبل على الاستشهاد بالآيات والسيرة وينزلها على الواقع ويشبه بها، أمرين: فهم كامل للواقع ورؤية شاملة للمشهد بعد جهد في التحليل والبحث والدراسة، وفهم منضبط للنصوص وتاريخ وأسباب نزولها، وعلم بالسيرة ووقائعها وتفاصيل حوادثها.
ويحتاج امتلاك الفهم الأول إلى طول نظر في العلوم الإنسانية التي طالما لم تجد مساحة اهتمام كافية في عقول أفراد الحركة الإسلامية، مثل علوم السياسة والاقتصاد والاجتماع والإدارة وغيرها، فطالما تمت مزاولتها بالهواية والتجربة، لا بالتخصص والدراسة، أو بالحد الأدنى، كان الزهد في الإنتاج الإنساني الغزير فيها، والعمل على أسلمتها، ثم الاكتفاء بالإنتاج الفكري الإسلامي منها، مثل كتب السياسة الشرعية والاقتصاد الإسلامي والإدارة الإسلامية، مع أن غزارة الإنتاج الإنساني في هذه العلوم أكثر بكثير من إنتاج المسلمين منها نتيجة التخلف الحضاري والعلمي الذي تعيشه الأمة منذ سنين.
ويحتاج امتلاك الفهم الثاني طول مصاحبة لكتب التفسير والسيرة وبحثاً راسخاً فيهما، وإداركاً للنص والحادثة وأبعادهما والحكمة منهما قبل الاستشهاد بها وتشبيهها بحادثة في زماننا، ثم نظرة شاملة مستوعبة لكل الآيات وكل أحداث السيرة فكم تعبت غزوة الأحزاب وصلح الحديبية والفترة المكية من كثرة الاستشهاد بها، وكم من آياتٍ وأحداثٍ، لا يكاد يتم النظر والتفكر فيها بل لعلها مجهولة لدى كثيرين.
فضلا عن ضابط مهمٍ آخر، هو تثبيت قناعةٍ بأن الأحداث، في كل يوم، جديدة وفريدة، لا تتكرّر ولا تُستنسخ، قد تتشابه وتتقاطع مع أحداث تاريخية سابقة، لكنها أبدا لا تتطابق، والقرآن عندما اختار بعض القصص أو الحوادث لذكرها كان ذلك لأخذ العبرة والعظة، لا العيش أسيرا داخلها، وكذا وقائع السيرة، فأنت لن تعيش بدراً أخرى، أو أحدا ثانية، بل ستواجه معارك جديدة بتفاصيل جديدة، تواجهها وتخوضها بما تعلمته من القرآن والسيرة من توجيهات ومعان وقيم.
على المرء أن يخرج من ضيق تشبيه كل نازلةٍ في حياته بحادثةٍ سابقة، وأن يحرّر عقله من قيّد تاريخي لم يفرضه الإسلام، وأن يحرّر وجدانه من الحنين إلى ماضٍ عريق زاخر، وأن يأخذ من الآيات والسيرة القيم لا الخطط، والمعاني لا القرارات، والتوجيهات لا التكتيكات والاستراتيجيات، وأن ينظر في واقعه، وأن يواجهه بالآليات التي تناسبه، وتصلح له.
avata
avata
أحمد حمزة (مصر)
أحمد حمزة (مصر)