ليبيا: خطوة في الألف ميل

ليبيا: خطوة في الألف ميل

26 ابريل 2016

فائز السراج .. إسناد دولي واسع لحكومته (3 إبريل/2016/أ.ف.ب)

+ الخط -
يُفهم من كلام الرئيس الأميركي، باراك أوباما، أنه راغبٌ في أن يصحح خطأه السابق بالنسبة لليبيا. إذ قال إنه اتفق مع رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، على عدم التدخل العسكري في ليبيا، أي الامتناع عن إرسال قوات برية. وقد سبق للرئيس الأميركي الذي يتهيأ للخروج من الساحة السياسية أن اعترف بأن الخطأ الكبير الذي ندم عليه، في فترة حكمه، سماحه بترك ليبيا تغرق من دون مساعدة جدية من الغرب، وتحديداً من دول الحلف الأطلسي.
يبدو أن الحالة السياسية الليبية بدأت تميل لصالح إيقاف التدهور، فحكومة فائز السراج تمكنت من الصمود، واكتسبت في الداخل قدراً لا بأس به من التأييد السياسي. ويؤكد الانقسام الحاصل بين أعضاء برلمان طبرق الذي وجد نفسه تحت ضغط شديد من المجتمع الدولي وجود مخاض سياسي جديد يحصل في المنطقة الشرقية المحاذية لمصر، ويتجه نحو دعم وحدة ليبيا، مجتمعاً ودولةً، في حالة تشكل. وهناك تأييد من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي لجهود أغلبية النواب الذين يدعون إلى عقد جلسة للبرلمان المعترف به دولياً "في مكان آمن غير طبرق"، حتى تزول آخر عقبة لمنح الثقة للمجلس الرئاسي وحكومة السراج.
أما تنظيم داعش فقد تأكدت عزلته في الفترة الأخيرة، فَقَد مدينة درنة، وتعمّقت الهوّة بينه وبين من احتضنوه في مرحلة سابقة من قبائل سرت. وتعتبر هزيمة الدواعش في مدينة بنغازي من أهم المتغيّرات العسكرية والميدانية التي سُجّلت، أخيراً، على أيدي القوات العسكرية التي يقودها اللواء خليفة حفتر. وإذ لا يزال تنظيم داعش يتمتع بقدر من القوة والفاعلية، إلا أن حظوظه التي كان يتباهى بها قبل أشهر تراجعت في أكثر من مكان، ما جعله يخسر مواقع عديدة، آخرها ‏انسحاب أغلب عناصره من منطقة بن جواد باتجاه مدينة سرت. أدرك الجميع داخل ليبيا أن هذا التنظيم لا يمكن أن يشكل حليفاً دائماً ومضموناً، وأن تشدّده الديني، ونزوعه القوي نحو العنف الأهوج، ورغبته المفضوحة في السيطرة على الأرض، وعلى الناس، جعلت منه مصدر قلق جميع القوى السياسية، المسلحة والمدنية. كما أثار التنظيم رعب المواطنين الليبيين واشمئزازهم، بعد الجرائم التي ارتكبها ضد نساء ومدنيين عديدين. وقد خسر بذلك فرصة إقامة حاضنة اجتماعية دائمة، من دون أن يعني ذلك أن خطر الدواعش انتهى، أو أصبح ثانوياً. وهو ما جعل أوباما يؤكد على أن أميركا وبريطانيا وعدداً من الحلفاء الغربيين مستعدون لمساعدة ليبيا في تأمين حدودها وطرد الإرهابيين. وهو موقف يتناسق مع ما ذكره الرئيس الأميركي عن الشأن السوري، حيث استبعد أيضا تحقيق انتصار حاسم على تنظيم داعش، قبل نهاية عهدته الرئاسية، وإن كان قد وعد باحتمال تقليص قوات هذا التنظيم.
على الرغم من استمرار المخاوف والمخاطر، إلا أنه لم يعد في مقدور الليبيين الاستمرار في وضع كارثي على جميع الأصعدة. أصبح أغلبهم مستعداً للقبول بأي ماردٍ يخرج من تحت الأرض، ويعد بإنقاذهم من المطحنة التي خضعوا لها خلال الأربع سنوات الأخيرة. فبعد استبشارهم بمقتل العقيد معمر القذافي، حيث اعتقدوا بأن ذلك سينقلهم إلى مستوياتٍ أرقى، فإذا بهم اليوم يعانون من الجوع، وستون بالمائة من مستشفياتهم مغلقة، حسبما ورد على لسان المبعوث الأممي إلى بلادهم.
لا تزال هناك ألغام عديدة في طريق مجلس الدولة وحكومة الوفاق الوطني. لكن، بعد أن توفر الدعم السياسي على الصعيدين الدولي والمحلي، يمكن القول إن خطوة رمزية مهمة قد قُطعت في مسيرة الألف الميل في ليبيا.
266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس