السعودية المتخيّلة

السعودية المتخيّلة

26 ابريل 2016
+ الخط -
دائماً ما كان هناك سوء فهم غربي عميق، في مقاربة الشؤون العربية. انعكس هذا على التناول الإعلامي لدول المنطقة، وعلى المقاربات الأكاديمية. بقيت لوثة استشراقية عميقة، يصعب زحزحتها، حتى بعد أن توقف الأكاديميون عن الحديث الاستشراقي.
تغلغلت المقاربة الاستشراقية للشؤون العربية ثقافياً في الدول الغربية، أصبحت جزءاً من فهم الغرب للشرق، خصوصاً العالم العربي، والذي بات يصور إعلامياً، بطرق عدة، تتقاسم السمة الاستشراقية نفسها التي انتقدها إدوارد سعيد في كتابه الشهير، وهي أن الشرق، في حالة الاستشراق، متخيلٌ ومصنوع. صحيح أن المستشرق قد يعيش في الشرق، يدخل حاناته، ويغتسل في حماماته التقليدية، ويرى نساءه ورجاله في الطرقات، وربما يتحدّث معهم، ويتناول طعامهم، لكن رؤيته المدوّنة ليست انعكاساً لما يراه، ولكن لما يتخيّله، وما يؤثر في خياله، من مخزونٍ للذاكرة، وعوالم ألف ليلة وليلة، وكتابات غوستاف فلوبير، والأدبيات التي تشكلت قبل قرون مضت تلك التي لا تحتمل التغيير، بعد أن أصبحت جزءاً من ثقافة سائدة.
لا يوجد مكان في العالم العربي، كالسعودية، يمكن أن يلهب الخيال الاستشراقي العتيق، حتى مع خسارته معركته في رسم الشرق اليوم. البلد الذي لا تقود نساؤه السيارات، والذي يتقاسم، مع دول قليلة، وجود "الشرطة الدينية"، وعدم انفتاحه على السياحة العالمية، غير الدينية، فضلاً عن الانتقادات الواسعة التي توجّه إلى سياساته الدولية، والتي لا يمكن إلا أن تؤثر في تقييم أحواله.
غالباً ما كانت الانتقادات توجّه للإعلام الغربي الذي لا يعرف السعودية حقيقةً، ويرسم صورةً متخيلة عنها. وكتبت الزميلة إيمان القويفلي، في "العربي الجديد" (30/3/2016)، عن الرؤية الاستشراقية للسعودية في فيلم "فرونت لاين" "السعودية مكشوفة". وكتب صاحب هذه السطور عنه، وعن الصور النمطية الغربية التي يحاول ترسيخها (السعودية كما يريد الغرب رؤيتها، 1/4/20016). المشكلة أن هذه الصورة "الغربية" تتكرّر عربياً أيضاً، بين حين وآخر.
وقع الزميل أمجد ناصر في هذا الفخ، بمقاله الذي نُشر أمس (25/4/2016)، بعنوان "إصلاح بمقياس ريختر"، فجاء المقال وكأنه مكتوب بعيون مستشرق غربي، لم يزر السعودية يوماً، ولا المنطقة. فلا تختلف الصورة التي رسمها المقال للسعودية عن التي يرسمها أي مقال غربي، يتناول الشأن السعودي، على بعد آلاف الأميال، وتأتي رؤيته محمّلةً بما شاهده في الإعلامين الأميركي والبريطاني، ولا تعكس واقع المنطقة، لا من قريبٍ ولا من بعيد.
ففي السعودية، وعندما يأتي أحد من الخارج، لن يتفقد ثيابه وملابسه خوفاً من المساءلة، كما أنه لن يرمي المجلة أو الصحيفة أو الكتاب الذي بحوزته، وخصوصاً أن السعوديين يجلبون آلاف الكتب من الخارج كل يوم! أما الرقابة على الكتب في معارض الكتاب الرسمية فهي لن تختلف عنها في الدول العربية، فلكل دولة "كتابها" الذي تخشاه.
كما أن السعوديين يخرجون في الشوارع والأسواق مع زوجاتهم وقريباتهم، من دون الخوف من "هجوم المطاوعة" أو "الشرطة الدينية"، وهن، بالمناسبة، يخرجن كاشفاتٍ وجوههن. يمكنك معرفة هذا، بعد خمس دقائق من دخولك الدمام والخبر والرياض ومكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة. أما القرى والمناطق القصية، فلن تختلف عن بقية الدول العربية، فالمناطق الزراعية والرعوية هي نفسها على امتداد العالم العربي، شرقاً وغرباً.
أما وضع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فشديد الالتباس، ومرتبط بقدر كبير بالمدينة التي نتحدّث عنها، ففي المنطقة الشرقية والمنطقة الغربية، تتمتع الهيئة بسلطاتٍ ضئيلة، واشتباكها بالواقع الاجتماعي محدود. أما في المنطقة الوسطى، فتمتعت الهيئة بسلطات واسعة، تم تقييدها أخيراً. وعلى الرغم من هذا، يستطيع الرجل الخروج مع قريباته، من دون أن يخشى "انقضاض" أحد. كما أن النساء يكشفن عن وجوههن، قبل التقييد، وبعده.
تشبه السعودية دول جوارها في أشياء كثيرة، أهمها ملف حقوق الإنسان، المتعثر في المنطقة العربية ككل، فلا توجد دولة عربية أعطت حقوق الإنسان أولويةً تذكر. ومن هنا، كان اعتبار السعودية استثناءً هائلاً انعكاساً لرؤية مُتخيّلة، فكل بقعة من الأرض مختلفة بطريقتها. لكن، لا توجد منطقة معزولة عن محيطها، إلا كوريا الشمالية، ربما.
424F7B7C-113B-40E9-B0BD-EFA3B6791EB5
بدر الراشد

كاتب وصحافي سعودي