سطو الجيش الإسرائيلي المسلّح

سطو الجيش الإسرائيلي المسلّح

22 ابريل 2016
+ الخط -
تعيد عملية اقتحام جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي محل صرافة في رام الله، وسرقة الأموال فيه، إلى الأذهان مشاهد وأحداثاً مشابهة ارتكبها هذه الجيش في أراضي 48 وفي قطاع غزة وفي لبنان أيضاً. وهي ممارسات تكرّسه جيشاً من العصابات، سطت على فلسطين منذ أربعينيات القرن الماضي، فأقامت كياناً لها هناك. واستمرت في عمليات سطوها، تحتل القرى وتقضم الأراضي، وبينما تفعل ذلك، تسرق حانوتاً أو منزلاً أو مؤسسة، تبعاً لما يتوفر أمامها. ومهما كبر هذا الكيان، وبنى من مؤسسات، وأشاد من عمائر، لن يستطيع الفكاك من صفته كياناً قام على السطو، حتى استبدّت به هذه الصفة التي ستبقى تلازمه ما بقي قائماً. وهي صفةٌ قد يُوضَع فكر كل من يتحدث عنها وكلامه حالياً ضمن خانة الفكر والكلام الخشبيين، وتلك نتيجة لم يكن ليتوصل إليها معلنوها سوى عبر جهد بذله هذا الكيان وجيشه من خلال وسائل الإعلام والعلاقات والضغوط، من أجل تشريع قتله أبناء الشعب الفلسطيني. الجهد الذي تكمله هذه الأيام مساعيه لإضفاء المنطقية على عمليات القتل التي يعتبرها، في الأساس، مبرّرة، فتجد قبولاً، وربما استحساناً، لدى متلقي أخباره في الغرب.
ففي فجر الرابع عشر من إبريل/ نيسان الجاري، اقتحم جنود من جيش الاحتلال الإسرائيلي محلاً للصرافة في رام الله، وصادروا ما فيه من أموال، بزعم أنها "أموال إرهابية"، ثم فجّروا المكان وأحرقوه. وعلى الرغم من أن الجنود كانوا قد اقتادوا صاحب المحل من أجل فتح الخزنة، إلا أنهم ادّعوا على لسان متحدثة باسم جيشهم، أن صاحب المحل "رفض الامتثال لتعليمات الجيش بفتح الخزنة"، فعملوا على تفجيرها بـ "إحكام". وطبعاً نجم عن التفجير حريق امتد فطاول محلاتٍ كثيرةً مجاورة لمحل الصرافة.
وعلى شاكلة عملية السطو هذه، لجيش الاحتلال الإسرائيلي عمليات مشابهة كثيرة أظهرت جنوده لصوصاً لا يتورعون عن سرقة ما يستطيعون حمله. ففي أواسط نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، اقتحمت القوات الإسرائيلية مكاتب الحركة الإسلامية ومؤسساتها في مدينتي أم الفحم ويافا، وسطت على محتوياتها من أجهزة وحواسيب وملفات وأموال. واقتحمت منزل رئيس الحركة رائد صلاح، ومنازل عدد من مسؤوليها، واقترفت الأمر نفسه فيها. وفي تلك المداهمات، برزت صور الجنود الإسرائيليين الذين عثروا على مبالغ مالية بين الموجودات، فأخذوا يتملوها مزهوين، باعتبارها غنائم وقعوا عليها.
وخلال اعتداء عملية "الرصاص المصبوب" التي شنها جيش الاحتلال على قطاع غزة أواخر
سنة 2008، سجل الصحافي والناشط الإيطالي الراحل، فيتوريو أريغوني، في تقاريره الصحافية قصصاً مشابهة لتلك العمليات. يروي أنه في أثناء تلك الحرب العدوانية، أحدثت دبابة إسرائيلية فجوة في جدار أحد المتاجر الفلسطينية المغلقة بسبب القصف الإسرائيلي غزة. بعد ذلك، خرج الجنود من الدبابة، ودخلوا إلى المتجر، وراحوا يتجولون فيه بمرح. ثم شرعوا بسرقة ما يمكنهم من البضائع الموجودة فيه ونقلها إلى داخل الدبابة. وبقوا على هذه الحالة، حتى عجزوا عن دخول الدبابة المتخمة بالمسروقات، مفتعلين ضحكاتٍ ساخرة أطلقوها على نغمات الأغاني المنبعثة من داخل الدبابة.
وخلال الاجتياح الإسرائيلي لبنان صيف سنة 1982، أرخت صور لمشاهد الجنود الإسرائيليين وهم يبدون مثل لصوص يخلعون أقفال المتاجر في بيروت، بأدوات حديدية خاصة، كان واضحاً أنهم اصطحبوها معهم من فلسطين المحتلة، لاستخدامها في هذه الغاية. وكانوا يسرقون ما تقع عليه أيديهم، حتى يحتار المرء ماذا سيفعلون بأشياء كثيرة كانوا يسطون عليها، وكيف سينقلونها إلى فلسطين المحتلة. لكن غريزة السطو والقتل كانت تبيح لهم فعل كل ما لا يخطر في بال، فيجولون كالضواري، يمارسون ما تفعل.
ثقافة الإفلات من العقاب الموجودة لدى الجنود والمستوطنين الإسرائيليين، وربما لدى سائر الإسرائيليين، هي ما يدفع هؤلاء إلى الاستمرار في ممارساتهم الإجرامية بحق الشعب الفلسطيني. فهم يعرفون أن عقوبةً ما لن تقع عليهم، إن هم نكلوا بالفلسطينيين أو قتلوهم، أو أحرقوهم أو سرقوا أراضيهم وممتلكاتهم. وأعمالٌ كهذه عادة ما تلقى استهجاناً في المجتمعات الأخرى، ويمكن أن يُنبذ فاعلوها بعد نيلهم جزاءهم القانوني، غير أن الأمر يختلف في المجتمع الإسرائيلي. وبغض النظر عن عقيدتهم التي تحض على قتل الآخرين واستباحة أملاكهم، فإن من يمارس هذه الأعمال من الجنود أو المستوطنين سيجد التشجيع، ليس من المجتمع المحيط فحسب، بل ومن الجسم القضائي الذي يمارس محاكمات صورية، تخرج إلى الخارج، لتكون صورة عن الديمقراطية الإسرائيلية، بينما في الحقيقة يُثاب الفاعلون ويُتركون طلقاء، لكي يشجعوا الآخرين على حذو حذوهم.

دلالات

46A94F74-0E6B-4FEC-BFDA-803FB7C9ADA6
مالك ونوس

كاتب ومترجم سوري، نشر ترجمات ومقالات في صحف ودوريات سورية ولبنانية وخليجية، نقل إلى العربية كتاب "غزة حافظوا على إنسانيتكم" للمتضامن الدولي فيتوريو أريغوني، وصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.