صعود الإسلاموفوبيا... الراهن والأسباب

صعود الإسلاموفوبيا... الراهن والأسباب

03 ابريل 2016
+ الخط -
الأدلة كثيرة على صعود الإسلاموفوبيا في الغرب، لكن السؤال الصعب هو لماذا تصعد بهذا الشكل الآن؟ ما الذي يدفع ظاهرة العداء للمسلمين إلى الصعود في أميركا وأوروبا في الوقت الحالي بهذا المنحنى المقلق؟ هل هو إيمانٌ بصدام الحضارات؟ أم تعبير عن أزماتٍ اقتصاديةٍ وسياسيةٍ يمر بها الغرب؟ أم مجرد انعكاس للتهديدات الأمنية، سرعان ما تزول؟ في الولايات المتحدة، بات العداء للإسلام والمسلمين قضية رئيسية في سباق الرئاسة الأميركية، خصوصاً بعد تصريحات المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، وغيره من المرشحين السياسيين الجمهوريين. تعليقات ترامب الذي يحظى بنسبة تأييد قوية (حوالي 40%) في أوساط الجمهوريين دليلٌ على تحول الإسلاموفوبيا إلى خطابٍ عام، بعد ما كانت خطاباً يمارسه سياسيون مهمشون في الأوساط السياسية الأميركية.
قبل أحداث "11سبتمبر" 2011، كان الحديث عن الإسلاموفوبيا ينحصر في دوائر ضيقة ترتبط بخبراء القضايا الأمنية والشرق أوسطية، أمثال دانيال بايبس وستيفين إمرسون. كانوا أشبه بامتداد للوبي إسرائيل، أو المحافظين الجدد الذين يحاولون تأليب الرأي العام الأميركي على الإسلام والمسلمين بشكل عام، ضمن رؤىً يمكن تسميتها استشراقيةً. كانت الإسلاموفوبيا خطاباً مهمشاً، ينحصر في بعض الدوائر السياسية الضيقة، وإن كانت قوية.
بعد تلك الأحداث، وخلال حكم الرئيس الأميركي، جورج دبليو بوش، صعدت القوى المسيحية المتديّنة بقوة داخل أروقة الحزب الجمهوري الحاكم. وبدأنا نسمع أكثر عن قساوسةٍ محسوبين على المسيحيين الأصوليين، مثل بيل جرام، يهاجمون الإسلام، كما انتشرت أيضاً ظاهرة الإعلام المحافظ، مثل قناة فوكس نيوز والبرامج الإذاعية كرش ليمبو وغيرهم، وانخرط بعض مشاهير تلك المنابر في نشر الخوف ضد الإسلام والمسلمين. ولكن، ظل الخطاب الرسمي محافظاً على مسافةٍ واسعةٍ من خطاب العداء للإسلاموفوبيا، حيث أكد بوش على الإسلام دين سلام في مواجهة خطاب العداء القادم من بعض أروقة حزبه.
ما حدث بعد صعود الرئيس الأميركي الحالي، باراك أوباما، كان أشبه بمعضلة، فخطاب أوباما عن الإسلام أفضل بكثير من خطاب سابقه، لكن الإسلاموفوبيا صعدت في عهده إلى مستوياتٍ مقلقة، لأن أوباما نفسه تحول إلى قضية استقطاب واسعة، وليس أدل على ذلك من ظاهرة حركة "حفلات الشاي"، وهي حركة جماهيرية انتشرت سريعاً في أوساط الحزب الجمهوري، نوعاً من الحراك الجماهيري المعادي لأوباما من ناحيةـ والرافع أجنداتٍ معاديةً للأجانب والأقليات، وللإنفاق الحكومي الموجه لتلك الفئات، من ناحية أخرى.
ساهمت حركة حفلات الشاي في انتصارات الجمهوريين في الكونغرس الأميركي، منذ فوز
أوباما بالرئاسة، ودعمت نواباً جدداً متبنين خطابها الاستقطابي الذي يُبالغ في العداء لأوباما والأقليات والمهاجرين، ويطالب بخفض الإنفاق الحكومي على البرامج الموجهة لهؤلاء.
باختصار، تحوّل خطاب العداء للمسلمين والمهاجرين والأجانب إلى منابر الحزب الجمهوري الرسمية، وأصبحنا نسمع عن نوابٍ، مثل ميشيل باكمان وبيتر كينغ وآلان ويست، يتبنون خطاباتٍ معاديةً للمسلمين بشكل صريح، ترى المسلمين شعوباً معادية لأميركا، والإسلام ديناً يدعو إلى العنف، وتطالب بفرض سياساتٍ تتعقبهم أمنياً، ناهيك عن المشاركة في حملاتٍ لرفض تأسيس مساجد جديدة، أو التحذير من مؤامراتٍ لفرض قوانين إسلامية في الولايات الأميركية المختلفة.
قادنا هذا كله تباعاً إلى صعود ظاهرة دونالد ترامب، واستخدام مرشحين جمهوريين لخطاب العداء للمسلمين في حملاتهم الانتخابية الرسمية، ناهيك عن حوادث العنف والاعتداء على المسلمين والمساجد في أميركا التي باتت أكثر انتشاراً، وفقا لتقارير منظمات أميركية مسلمة، ووسائل الإعلام كذلك.
نتيجة ذلك، باتت الإسلاموفوبيا موضوعاً للدراسة في مراكز أبحاث ومؤسسات أكاديمية أميركية معروفة، فنجد مثلاً تقريرين لمركز التقدم الأميركي بعنوان "صناعة الخوف ... شبكة الإسلاموفوبيا"، يحاول فيهما رصد مصادر الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة والعلاقات البينية بينها. وتتتبع الدراستان مصادر الإسلاموفوبيا في الدوائر الثلاث التي جاءت عليها هذه السطور، وهي دوائر الخبراء الأمنيين المرتبطين بلوبيات الشرق الأوسط وإسرائيل والأمن وقضايا الإرهاب، ودائرة القوى المسيحية الأصولية المتشددة، ودائرة المحافظين المتشددين داخل الحزب الجمهوري. وتؤكد الدراسة على الروابط المالية والتنظيمية بين الدوائر الثلاث، وكيف تتشارك في عدد صغير من الممولين الرئيسيين والنشطاء والأفكار. وتكشف الدراسة وغيرها دور وسائل الإعلام المحافظة، وفي مقدمتها "فوكس نيوز" في ترويج أفكار تلك الدوائر ورموزها، وإعطائهم حجماً أكبر من حجمهم تقريباً.
ما لا توضحه الدراستان هو أسباب صعود الظاهرة بشكل عام، فهل نحن أمام تطبيق لنظرية صدام الحضارات، حيث الغرب يكره الشرق على أسس حضارية ودينية؟ أم نحن أمام امتداد للاستشراق والنظرة السلبية للشرق، بغرض إضعافه والسيطرة على موارده؟ أم نحن أمام أزمةٍ تمر بها المجتمعات الغربية نفسها؟
وهنا يشير بعضهم إلى أزمات المجتمعات الغربية في العقد الأخير، مثل زيادة الاحتقان السياسي الداخلي، وتراجع الفروق الحقيقية بين اليسار واليمين، بسبب سيطرة الرأسمالية الاقتصادية وتراجع الليبرالية وفكرة الحريات، في مواجهة لوبيات المال والأمن، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية وأزمات حربي العراق والصراع مع "داعش". وقد نشرت مؤسسة راند الأميركية للأبحاث، في العام الماضي، دراسة بعنوان "عدم التسامح في أوروبا الغربية"، تحاول أن تفهم فيها أسباب صعود ظاهرة التمييز والعداء للأجانب في المجتمعات الأوروبية، في استطلاعات واسعة للرأي العام، شملت ثماني دول أوروبية. ومن أهم نتائجها صعوبة التعميم، فالدول الأوروبية ليست سواءً في قضية عدم التسامح ضد الأجانب وأسبابها، وأن عدم التسامح يقل في أوساط الشباب والمتعلمين، ومن حصلوا على فرصة العيش عن قرب مع الأجانب والتعرّف عليهم فترة طويلة، ويزيد في الأوساط التي تشعر بالتهديد، سواء الاقتصادي بسبب البطالة، أو الأمني بسبب أحداث العنف، كما يرتبط عدم التسامح بوضوح بتوجهات الشخص السياسية، فالارتباط بالأحزاب السياسية اليمينية والمحافظة يرتبط، في الغالب، بمواقف معادية للأجانب، مثل تشديد شروط الهجرة وتقليل المساعدات الاقتصادية للفقراء والأقليات والمهاجرين.
ويبدو من الدراسات المختلفة أن صعود الإسلاموفوبيا يرتبط بطبيعة الأقليات المسلمة في الغرب كأقليات مستضعفة، قليلة التنظيم والتأثير السياسي، فالمسلمون لا يتعرّضون وحدهم للتمييز بل تشاركهم فيه قطاعات أخرى من المهاجرين من أعراق وأديان مختلفة، في حين تتمتع أقليات أخرى في الغرب بوضعٍ أفضل، بسبب تحقيقها قدراً من الاندماج والنفوذ الاقتصادي والإعلامي والسياسي. ويرتبط التمييز أيضاً بظروف المجتمعات الغربية نفسها، والاستقطاب السياسي الحاد، وتراجع دور اليسار الليبرالي في تقديم بدائل اقتصادية وسياسية، في مواجهة صعود اليمين الرأسمالي المشغول بإثراء الأثرياء والحلول الأمنية. وترتبط الإسلاموفوبيا كذلك بالأزمات الاقتصادية والتهديدات الأمنية المختلفة، فاجتماع كل تلك الازمات وتهديدها يجعل الأقليات والفئات الأضعف في المجتمعات الغربية في وضع صعب. لذا، تبدو مواجهة الإسلاموفوبيا تحدّياً كبيراً وصعباً، لأنها ترتبط بتحولاتٍ ضخمة في المجتمعات الغربية والاقتصاد الدولي وحركة المهاجرين وصراعات الشرق الأوسط والتطور التاريخي لوجود الأقليات المسلمة الحديثة نسبياً في المجتمعات الغربية.