أخلاق السِّكسِكة

أخلاق السِّكسِكة

16 ابريل 2016
+ الخط -
السِّكسِكة، بكسر السينين، الأولى والثانية، هي أقرب لروح إنسانٍ ما، رجلاً كان أو امرأة، لكنها روحٌ في مخلب ضبع. السكسكة دم خصومها (عادي جدا)، بل هو مباح، فالواحد من ذويه بعشرة آلاف من خصومه، على سبيل المثال، لأن الخصم دائماً يكون من الخوارج، أو كلاب جهنم، وحينئذٍ لا يكون الضرب تهويشاً، بل (في المليان) أو في (سويداء القلب)، أما لو كانت الدماء من أجساد ذويه، فهي دماءٌ لأناسٍ على جباههم خاتم الشرف، ولن نقول النبوة، وغالباً أبواب الجنة السبعة تنتظرهم بفارغ الصبر.
السِّكسِكة قد تكون صحيفةً لا تتباهى إلا بآراء زبائنها من السكاسكك، أما لو كان الأمر يخجل الصحيفة، فالصحيفة تعلن أنها تغطي مباريات الفريق القومي من برج العرب، علاوةً على أن كل سكاسكها من المصادر هربوا إلى المصايف من موجة الحر. السّكسكة تركب طائرة معمر القذافي من دون أن تدري أنه كان ديكتاتوراً، لأن الطائرة مليئة بالشاي المخلوط بالياسمين، وغالباً ما تظهر السكاسك، بكتبها وقصصها ومسرحياتها وأشعارها، حول القذافي في الصحراء، وهو يشق النهر العظيم، وسط الكراكات والألغام والصخور. وتركب طائرات الأسد الأب والابن، والحفيد أيضاً، طالما سيبعث جمر العروبة في جسدها أوطاناً عزيزة، أما لو هدمت هذه الأوطان كلها بالبراميل المتفجرة، فهذا عادي جداً، طالما الأسد يدافع عن العرين.
للسّكسكة، أيضاً، أوراد في عشق الفقراء والمهمشين والسهروردي والحلاج، وقد تعرج حتى تصل إلى الفارابي وابن سينا، من دون أن تفقد وظيفتها المحترمة في الأمم المتحدة سفيرة أو سفيراً فوق العادة، أو في تخطيط البرامج الإنمائية للعالم الثالث، وتستبدل فرق تذاكرها في السفر المجاني، ولو كان الفارق من جيب كافور الإخشيدي وتركته.
السّكسكة تعاتب دائماً الحكومة فقط على عدم الاهتمام بالضوء في قلعة محمد علي ليلاً، أو عدم الاهتمام بالثريات القديمة في مسجد ابن طولون، وأحياناً تشدّد على سحب الثقة من الحكومة، لو أهملت رعاية الفنون والآداب، لكنها تنسى 36 مذبحة قام بها الجنرال، وهو يشرب القهوة في قصره، وتطالبه بالإفراج عن فتى التيشرت ابن الـ 16 ربيعا الذي دخل السجن 14 عاماً، وخرج 16، وفي المساء تبكي السِّكسِكة دمعاً صبيباً على هذا الولد في الفضائيات. وفي اليوم التالي، تكون السّكسكة حول الجنرال نفسه، وهو يفتتح نفق أم الغلام، أو أم عصفورة.
السّكسكة دائما في أول صفوف الثورة، وفي أول صفوف الوزراء حينما تصحّح الثورة مسارها. ودائماً ما تتهم الشباب بالطيش والمروق، وكثيرا ما تستعطف حنان الجنرال بالعفو عن الشباب، لأنهم ورد البلد، لكن الجنرال يبتسم، ويكتب ملاحظاته في دفترٍ صغيرٍ قائلا: دعونا ننتظر الأيام المقبلة، بمؤامراتها الخفية والمعلنة، فالواقع غير التمني والأحلام، فتصفق كل السّكاسك في القاعة، حتى طالب العفو نفسه.
أصبح علاج السّكسكة فقط في مستشفيات القوات المسلحة لا غير، والفاتورة مدفوعة لها، واللانشات والرفاصات محجوزة لصحافتها ومحرّريها من البرلس ورأس محمد حتى (تيران) و(صنافير) قبل الجسر الجديد، وغالباً ما تحجز السّكسكة عملاً استشاريا لها في الجسر الجديد الذي سيربط البلدين.
السّكسكة تعرف أن تقدم السبت قبل الأحد والاثنين قبل الثلاثاء. السّكسكة إنْ ماتت، فجبل بلاغةٍ قد مات، أو بحر علم طمرته الرمال. السّكسكة دائماً تبحث في الخرائط والمواثيق، وتردّ يوميا على أسئلة محرّري "اليوم السابع"، ودائما ما تتغزل في الفراشة الذهبية في جاكيت الكاتبة سكينة فؤاد، وهي تحضر الاجتماعات الثورية ونصف الثورية في مجلس شعب حسني مبارك، وتمثيلياته وحكومة محمد مرسي، وفي الثورة عليه أيضا في 30/6 من غير فراشة بالطبع، لأن الثورات لا تحتاج إلى فراشاتٍ، بل أسلحة.
السّكسكة تعتبر الموضوع الحرج لا يخصها بتاتا، بل تعتبره يحدث في مدغشقر مثلا، وغالبا ما تراها في كل السرادقات، من هيكل حتى عصمت عبد المجيد، ودائما ما ترد على القرّاء بأن تلفون الأستاذ مفيد شهاب مغلق، علّه يمر بوعكة صحية، بعد مجهوداته الضخمة مع الوثائق.
السّكسكة لا تفرّق بين المقهى وقصر الاتحادية، فكل المباريات الوطنية لا بد أن تكون حاضرة فيها، كي تحتفظ بملايين الصور للأحفاد.