العراق.. إياد علاوي ومجلس الإنقاذ

العراق.. إياد علاوي ومجلس الإنقاذ

31 مارس 2016

علاوي شغوف برئاسة الوزراء التي تنازل عنها (31 مارس/2015/Getty)

+ الخط -
على الرغم من مرور عدة أشهر على بداية خروج العراقيين في تظاهراتٍ مطالبةٍ بالإصلاح السياسي وتحسين الخدمات واجتثاث الفساد، وعلى الرغم من اعتلاء زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، موجة هذه التظاهرات، لتجيّر، في نهاية المطاف، باسمه شخصياً، وباسم أتباعه، وعلى الرغم من حجم التصعيد الظاهري في التصريحات والمواقف على الأرض بين هؤلاء جميعاً وبين أركان الحكم والعملية السياسية في المنطقة الخضراء، بالشكل الذي بدا فيه أن الأمور تتجه باتجاه المواجهة بين الطرفين، على الرغم من ذلك كله، لم نشهد تحركاتٍ فعليةٍ وجديةٍ صوب وأد هذه الحالة غير المفسرة بشكل دقيق حتى الآن، بينما تسابقت أصوات كثيرة من داخل مجلس النواب، أو الكتل السياسية المتنفذة، إلى إطلاق التصريحات والتحليلات، وربما الإنذارات، من دون أن يكون لأي وجهٍ من هذه الإطلاقات فعل على مجريات الأمور، أو على أرض الواقع.
ولعل أهم من قدّم شيئاً مختلفاً عن بقية زعماء الكتل السياسية لمواجهة الأزمة العاصفة بمجمل العملية السياسية هو السياسي العراقي، رئيس ائتلاف الوطنية، ورئيس الوزراء الأسبق، إياد علاوي؛ حيث دعا إلى تشكيل (مجلس إنقاذ) يشرف على العملية السياسية في العراق، معتمداً على فرضية أن عدم إمكانية رئيس الوزراء الحالي، حيدر العبادي، تنفيذ حزمة الإصلاحات، سواء التي أطلقها هو منذ أكثر من شهرين، إضافة إلى ما يطالب به الصدر وأتباعه بشكل أشمل.
يذكّر اقتراح علاوي، أولاً، بمحاولات اللواء عمر سليمان، في أثناء الثورة المصرية، استقدام مجموعة من شباب الثورة ممثلين للثوار والمتظاهرين، من أجل الوصول إلى حلولٍ وسط بين الطرفين: النظام وأبناء الثورة؛ وعلى الرغم من أن تلك الحوارات وصلت إلى تشكيل لجنةٍ تضم أعضاء من السلطة القضائية، وعدداً من الشخصيات السياسية لدراسة التعديلات الدستورية واقتراحها، وما تتطلبه من تعديلات تشريعية لبعض القوانين المكملة للدستور، إلى جانب إعلان الحكومة عن فتح مكتبٍ لتلقي الشكاوى عن معتقلي الرأي من جميع الانتماءات، والإفراج عنهم فوراً، مع تعهد الحكومة بعدم ملاحقتهم، أو التضييق عليهم في مزاولة نشاطهم السياسي. ومع أن الإجراءات تشمل تحرير وسائل الإعلام والاتصالات، وعدم فرض أي قيود على أنشطتها تتجاوز أحكام القانون، مع تكليف الأجهزة الرقابية والقضائية بمواصلة ملاحقة الفاسدين والمسؤولين عن ما شهدته البلاد من انفلاتٍ أمنيٍ، خلال الأحداث بداية الثورة ومحاسبتهم، وعلى الرغم من أن هذه الإجراءات وافقت عليها الأحزاب المصرية، ورفضها ثوار الميدان، إلا أن نتائج الأحداث مضت في طريقٍ اختاره الثوار لا الأحزاب، هو سقوط حسني مبارك ونظامه الفاسد.
أعلن علاوي عن مقترحه في مقر حركة الوفاق في بغداد بالنص الآتي: "نقترح تشكيل مجلس
إنقاذ يضم بين أعضائه ممثلين من الحراك الشعبي (المتظاهرين)، للإشراف على العملية السياسية لضمان الشفافية في تطبيق الإصلاحات، ولإنقاذ العراق من المأزق الذي هو فيه الآن"، ولا أعلم حقيقة، هل يفقه علاوي تماما آلية تنفيذ هذا الاقتراح وجدواه، أو، وبحكم خبرته الطويلة، والتي هي جزء رئيسي مؤسس للعملية السياسية في العراق، هل سيستجيب زعماء الكتل الأخرى، وفي مقدمتهم كتلة (دولة القانون) لمقترحٍ، يمكن أن يضعهم تحت أنظار وملاحظات هيئةٍ قد تمتلك لاحقاً صلاحياتٍ وإمكاناتٍ تفوق إمكانات العمل البرلماني أو الحزبي الحالي؟
يبدو علاوي، فيما يبدو، شغوفاً بما تنازل عنه (رئاسة الوزراء بعد اتفاقية أربيل 28/4/2012)، بموجب أسباب كثيرة، أهمها ضعف قدرته على المواجهة والثبات عند الوصول إلى درجة ضغط جدية من الأطراف المتحكمة في العراق، ومسار عمليته السياسية (إيران والولايات المتحدة)، بل هو ما زال يرى في عدم تنفيذ البند الخاص بتوليه مسؤولية مجلس السياسات الذي كان بديلاً عن منصب رئيس الحكومة أمراً مجحفاً واستغلالاً سيئاً من رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي. لذلك، هو يسعى، فيما يبدو، إلى تولي مهمة (مجلس الإنقاذ) سبيلاً إلى بلوغ هذه الحالة، ولمد الجسور بين الطرفين؛ المتظاهرين وحيدر العبادي، وعزل القوى (أهمها دولة القانون) جماهيرياً وسياسياً.
ومع استمرار الإخفاق الحكومي والسياسي في معالجة موضوع التظاهرات والاعتصامات حول المنطقة الخضراء، ومع تصاعد حدة خطاب زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، فإن حلم القائد المنقذ لدى الكثيرين بدا يراود كثيرين من أرباب العملية السياسية في العراق. ولكن، وهذه حقيقة مؤكدة، أي من هؤلاء الحالمين، لا يملك رصيداً شعبياً، ولا قبولاً سياسياً أو اجتماعياً، وهو ما يشجع علاوي، بحسب قراءته خطابه هو شخصياً، على أن يقدم نفسه مبادراً، يمكن أن يخرج هذه الأزمة من عنق الزجاجة.
الغريب في مقترحات رئيس الوزراء الأسبق، إياد علاوي، اقتراحه القاضي بالعفو عن المتعاونين من العراقيين مع عناصر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، شريطة ألا يكونوا اقترفوا عمليات قتل ضد العراقيين، وإمكانية الاستفادة منهم في حمل السلاح مع الحكومة لقتال "التنظيم"، وهو أمر يؤكد عدم منهجية الطروحات السياسية في العراق، بل عدم تصويبها إلى أهدافها المنشودة ضمن الظرف والزمان المطلوبين، فالعراقيون يعلمون، الآن، أن "داعش" يمثل إرهاباً يواجه نظامهم الاجتماعي والعقائدي والثقافي، أما خطر العملية السياسية، بحسب العراقيين، فهو يواجه حياتهم كلها.
لا يحتاج العراق إلى مجلس للإنقاذ فعلاً، بل يحتاج إلى أن يحيا بكرامةٍ وسلامٍ وضمان اجتماعي وإنساني لائق، يحتاج إلى ترك التفصيل الديني والمذهبي والحزبي، وما يتبعها من محاصصاتٍ مقيتةٍ وتقييدٍ للحريات أمقت، هو بحاجة إلى دستور مدني، تولد منه حكومة رشيدة، تلتزم بخدمة المواطنين على أساس المواطنة، وليس على أساس الولاء للمرجعيات أو الأحزاب المستبدة والموغلة في الفساد بكل أنواعه.
F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن