إبراهيم الكردي

إبراهيم الكردي

30 مارس 2016

كردية ترفع صورة أوجلان في مظاهرة في القامشلي (14مارس/2016/Getty)

+ الخط -
أعلن مسعود البارزاني، في 13/11/2015، ضم منطقة سنجار إلى إقليم كردستان، بعد أن سيطرت قوات البشمركة عليها، وطردت "داعش" منها. وفي 16/3/2016، أعلن الحزب الاتحادي الديمقراطي، بعد اجتماع رميلان، نيته السير نحو الحكم الذاتي في "روج آفا"، أي في مناطق انتشار الأكراد في شمال سورية. إن هذين الحدثين هما وصفة جيدة لحربٍ أهليةٍ مقبلة، واستغلالٍ للوقائع الدموية الجارية في العراق وسورية. ومع ذلك، فأنا أرى أن تأسيس كيان كردي في شمال سورية اليوم سيجعل تركيا تُسارع، بانتهازيةٍ مكشوفةٍ، إلى المطالبة بحقوقٍ قوميةٍ مزعومةٍ في الموصل وكركوك، وربما تتدّخل مباشرةً بحجة حماية التركمان، كما فعلت في قبرص، بذريعة حماية القبارصة الأتراك.
المؤسف أن ثمة جموحاً قومياً عجيباً ينمو، منذ فترة، في صفوف بعض الأكراد. وخرائط كردستان العتيدة تمتد من أرمينيا وأذربيجان إلى غرب إيران والأحواز، ثم إلى الموصل وشمال سورية، وصولاً إلى البحر، عن أقدام أنطاكيا واسكندرون؛ وهذه خريطة مضحكة حقاً. وفي المقابل، يجعل الجموح القومي التركي الموصل وحلب وأذربيجان وتركمانستان ضمن تخوم خرائطه. ولو تمكن هذان الجموحان من أن يكون لهما شأن في السياسة، فمما لا شك فيه أن الخريطتين ستتصادمان بالتأكيد.
لنعترف بأن لدى العرب اتجاهات شوفينية تُنكر على الأكراد حقوقهم القومية، مثلما لدى الأكراد اتجاهات شوفينية، ديدنها ذم العرب واحتقار الثقافة العربية، مع أن أَعلام الكرد لم يصبحوا أعلاماً إلا في فضاء اللغة العربية، أمثال أحمد شوقي وعباس محمود العقاد وأحمد تيمور وقاسم أمين وحسين مردان وسليم بركات وغيرهم. ويزعم هؤلاء أن الرها (أورفة) ونصيبين كرديتان، وهما من مدن السريان المشهورة. وأن السومريين أكراد، والموصل وحلب، وبغداد، مدن كردية. ومن طرائف هؤلاء أنهم جعلوا النبي إبراهيم كردياً، واعتبروا مقام الحجاز كردياً، وهو من المقامات العربية الخالصة.
يمكن أي شوفيني عربي، في المقابل، أن يقول إن الأرض التي يقيم عليها الأكراد عربية، مثل ديار بكر وديار مضر وديار ربيعة. فهل بكر ومضر وربيعة أكراد؟ وأن الحسكة سريانية، ولا تاريخ كردياً فيها. لكن ذلك كله هراء، ولا تنفع إعادة حشو القذائف الفارغة، مثلما لا ينفع التذكير بالآلام العربية في الماضي، حين أرسل الزعيم مصطفى البارزاني برقيةً إلى الجيش الإسرائيلي لتهنئته بالانتصار في حرب 1967. وحتى لا يكون مستقبل العرب والكرد مصبوغاً بالدم، أو موشوماً بالنار، فإن الاستناد إلى الغلبة العددية لا قيمة له، ولا يمنح أي حقوق قومية، لأن العدد مسألة متغيّرة، ولأن الاستناد إلى أمور متغيرة خطير جداً، ويؤدي إلى كوارث ومنازعاتٍ لا تنتهي. فالقامشلي، على سبيل المثال، لم يكن فيها أي وجود كردي ملموس، قبل هجرة الأكراد من تركيا إليها في سنة 1926 فصاعداً.
لنُحِل هذا التفكير إلى مستودع الأشياء البالية، فقد كنا نتطلع أن يشهد القرن الحادي والعشرون حلاً للمنازعات الطويلة بين العرب والأكراد، وهي منازعاتٌ موروثة منذ القرن التاسع عشر. وكان الحل الممكن في العراق هو النظام الفيدرالي العربي - الكردي. وقد تبيّن أن هذا الحل لم يؤسس إلا مزيداً من الدماء والكراهية. لكن، ما الضير في حل آخر؟ وهو ممكن أيضاً؟ أي تأسيس العراق، وسورية بالطبع، على نظامٍ ديمقراطي علماني، يتيح للجميع، كرداً وعرباً وتركماناً وأشوريين، أن يمارسوا مواطنيتهم المتساوية مواطنين أحرارا. الحل الأمثل هو دولة واحدة ذات دستور يضمن المساواة لجميع المواطنين، ويحترم ثقافات جميع المكونات القومية للشعب بلا استثناء؛ بلد واحد بثقافات قومية متعددة، ولندع الماضي للموتى، فلا يهمني إن كان النبي إبراهيم سريانياً أو كردياً، بل ما يهمني حقاً هو جاري إبراهيم الكردي.