خرافة الشمعدان

خرافة الشمعدان

28 مارس 2016
+ الخط -
من منا لم يشاهد ذلك الرمز، بأفرعه السبعة الحاملة للشموع، وغصنا الزيتون على جانبيه، كأنّما ترمزان بالسلام، لكن أي سلام هذا في ظل كيانٍ لا يعرف إلى الحياة والرحمة سبيلاً، فكلمة إسرائيل في أسفل هذا الرمز تلخص كل الجرائم والانتهاكات اللاأخلاقية اللاإنسانية في هذا العالم، تكاد هذه الكلمة بحروفها السبعة تطبق السماء على الأرض من شدة خبثها ومكرها وتماديها اللامتناهي في الحقد الأبدي.
الشمعدان خرافة قديمة حديثة، يتداولها الإسرائيليون كأنهم يريدون إيجاد تاريخ أصيل، رغماً عن إرادة كل الكتب والأحداث التاريخية، يريدون صناعة تراث يدعم كذبهم وعنفوانهم، حتى لو كان التراث والتاريخ والأرض تلفظهم بعيداً عن ترابها وطهرها.
يعتبر الشمعدان رمزاً دينياً تاريخياً لدى إسرائيل، بل وأصبح رمزاً رسمياً لهذا الكيان، فلم يعد هناك فلسطيني واحد لم يشاهد هذا الرمز أو يلمحه سواء في التلفاز أو في الشارع أو حتى خلال استخدامه للعملة النقدية. وهذا يدل على حرص هذا الكيان ورغبته بطبع تلك الصور والرموز في مخيلة كل فلسطيني، وكل قادم إلى هذه البلاد الطاهرة، ليعزّز من وجوده ويطمس تراث وحضارة الأرض والسكان الأصليين.
حسب الروايات الاسرائيلية، الشمعدان مذكور في كتابهم المقدس، وهو بالعبرية يعني مينوراه، وبالعربية يعني المنارة، وقد ذكر في سفر زكريا: "وقال لي ماذا ترى، فقلت قد نظرت، وإذا بمنارة كلها ذهب وكوزها على رأسها وسبعة سرج عليها، وعندها زيتونتان، إحداهما عن يمين الكوز والأخرى عن يساره".
ويرمز الشمعدان، حسب الروايات الإسرائيلية، إلى أيام الخليقة الستة، مضافاً إليها يوم السبت، أو هي، حسب اعتقادهم، أعين الله الجائلة على الأرض، ويذكر اليهود، في كتبهم المحرفة، أنه كان هناك شمعدان كبير يصل وزنه 60 كيلوجرام من الذهب، وقد نجا من الاحتراق، عندما دمر "نبوخذ نصر" الهيكل عام 587 قبل الميلاد.
وقد فُقد الشمعدان، وظل اليهود يبحثون، ويحلمون باسترجاعه، غير أن الحلم لم يتحقق حتى اليوم. ولكن، في هذا العصر الذي يُدعى عصر "تحقيق النبوءات اليهودية"، بدأ اليهود في إعادة البحث عنه، حتى أن المخابرات الإسرائيلية تورطت في الستينات من هذا القرن في حادث تسلل إلى مخازن الفاتيكان، بناء على معلوماتٍ كاذبةٍ بوجود الشمعدان في مخازنها.
وتتعدد الروايات الإسرائيلية في ذكر الشمعدان وأصله ونسبته إلى الله والأنبياء، لإثبات أنه رمز ديني وتاريخي يعبر عن أصالة الدين اليهودي وتاريخهم المشرف. ولكن، كالعادة، يشوب تلك الروايات والأحاديث تحريف وتشويه كثيران، بما يتناسب مع الأهواء والمصالح.
لماذا غصنا الزيتون بالتحديد؟
تم المزج بين أغصان الزيتون والشمعدان حسب قولهم، لأسبابٍ عديدة، من أكثرها شهرة وفداحة أن الزيتون يعتبر مصدراً للإنارة، فقد استعمل زيت الزيتون قديماً لإنارة الشمعدان في بيت المقدس الأول والثاني في العاصمة، وأن هذين الغصنين يرمزان إلى قادة الشعب الإسرائيلي قديماً، وهما الكاهن الأعلى من عائلة أهارون والملك من بيت داود.
ومن أكثر الأسباب طرافة وظلماً بحق البشرية أن الأغصان تشبيه لشعب إسرائيل بغصن الزيتون، وكما ورد في الكتب الاسرائيلية: "البساتين تتداخل في بعضها البعض، وحدها بستان وشجر الزيتون يتمايز عن غيره، وهكذا شعب إسرائيل حافظ على هويته وحضارته اليهودية على مدى ألفي عام".
يكاد العقل يتدحرج من مكانه، من شدة المهزلة التي يحاول أولئك إقناع العالم بها، يربطون بين قداسة الشجرة المباركة ونفوسهم الضالة برباط هشٍ مهترئ، ليزرعوا أشتال الأكاذيب وشجيراتها في العقول، ويدسّون سمومهم تحت شعار السلام والقداسة والرب.
جميعنا نشاهد، لكن قلة منا من يعرف ويدرك ما وراءه من دسائس وأهداف، فكيف لهذا الدرع ذي السبعة أفرع أن يكون سماً فكرياً، يتغلغل في أذهان المثقفين وعقولهم، ويصبح شيئاً عادياً لا يعني سوى حامل للشموع أو أداة للإنارة.
فلا بد أن نعي تلك المعتقدات الصهيونية، بما يخص هذا الرمز، والذي تؤمن الطوائف اليهودية بأن قداسة "قدس الأقداس" داخل الهيكل لا تكتمل إلا بإيقاده. والآن، كل ما يسعون إليه هو تحويل هذه الخرافة إلى حقيقة واقعة.
خرافات وأكاذيب كثيرة يتداولها اليهود ونصدقها، لتكون وسيلة ناجعة لغرس الفكر الصهيوني في الأذهان، وصناعة تاريخ مشرق لشعبٍ تكالبت عليه الأمم لطمس حضارته، كما يدعون.
687DA23D-C8CE-4020-BB1D-1851559AB145
687DA23D-C8CE-4020-BB1D-1851559AB145
دينا أحمد (فلسطين)
دينا أحمد (فلسطين)