سيناء مجدّداً ..

سيناء مجدّداً ..

25 مارس 2016
+ الخط -
ستظل سيناء وأهلها موضع غبن وظلم بيِّن، ظلم أهل سيناء ازداد ظلمةً وحلكةً، مع الانقلاب الفاجر، بسياساته العقيمة والعميقة في آن. قامت هذه السياسات على جعل ظلم أهل سيناء استراتيجيةً لمنظومة الانقلاب، اتخذ هذا الظلم أشكالاً كثيرة فادحة فاضحة، ليس مبتدأها التصور حول مواطنية أهل سيناء للوطن، ضمن صناعة صورةٍ ليست سلبية فحسب، لكنها تقع في خانة العداوة والخصومة، حينما يتطوّع الوطن بأهله، والانقلاب بمنظومته، في تكريس ذلك، فإنه للأسف يصير عملاً ممنهجاً ومنظماً لفصل سيناء عن مجمل الوطن، فتبدو سيناء الصحراء التي لا يقطنها إلا بضعة آلافٍ من السكان، وتقطنها مجموعة من القبائل، أول مداخل التسميم السياسي وتهميش سيناء وأهلها. ماذا يقصد إذاً من سياسات التهميش تلك؟ إلا أن تصور وتنتقل من دائرة التهميش إلى مساحات العبء، ومن ساحات العبء إلى حال الخيانة، ومن وصف الخيانة إلى معاني الخصومة والعداوة. وبدلاً من أن تعد سيناء، كما عُدّت دائماً السياج الحامي لمصر وأهلها وخط الدفاع الأول، وربما الأخير، عن حياض مصر الوطن وأهلها، انطلق الخطاب الذي يصوّرهم على غير الحقيقة، وعن عمدٍ، وبإعلامٍ فاجرٍ ممنهجٍ، يسوّغ لانقلابٍ اتخذ من توفير الأمن لإسرائيل هدفاً وغايةً، بدءاً بإغراق الحدود بالمياه المالحة، ومحو مدينة رفح المصرية، الشاهد على العمق الاستراتيجي في فلسطين، في وحدة مفروضة حتى في الاسم "رفح المصرية ورفح الفلسطينية". وتفريغ الشريط الحدودي مع المغتصب الصهيوني من سكان سيناء، وهدم منازلهم وتفجيرها، من أجل أمن العدو الذي صار ركناً ركيناً في رؤيةٍ زائفةٍ للأمن القومي، روّجها هؤلاء الفاشلين من الجنرالات بعد "كامب ديفيد"، وبروز جنرالات البيزنس الذين تناسوا، أو عمدوا إلى تخريب أصل وظائفهم، في حماية الوجود والحدود.
أنقل إليكم هذه الصرخة السيناوية التي تخرج من صميم الوطن، ومصالحه التأسيسية، بنصها وفصها، بأحرفها وعلامات ترقيمها، في معانيها ومغازيها:
الاٍرهاب سببه أهل سيناء. اقصفوا بيوتهم وهجّروهم. طبعهم الخيانة. أبداً قواتنا مش فاشلة. أهل سيناء يخونون القوات، وبيساعدوا الإرهابيين، والإرهابيين غيّروا شكلهم، وبقوا بيلبسوا زي سكان العريش. لاااا، وكمان ماليين مدينة العريش. لاااا، وكانوا عارفين ميعاد الهجوم على كمين الصفا. لاااا مش كده وبس، دا الإرهابيين طلعوا من بيوت حي الصفا.
حملة تحريضية شعواء تلبس لباس الوطنية أحياناً، ولباس المعارضة للشرطة وتبرئة الجيش والصراخ، بلسان الحرص على أهل سيناء، لكن في الوسط جملة أو أكثر تحرّض على سكان مدينة العريش. ولا مانع أن تخرج بعض الوجوه القميئة، لتطالب بتفريغ المدينة، وتهجير أهلها، وحصار المنطقة المكونة من مراكز العريش ورفح والشيخ زويد، والتعامل بقوة والقصف المركّز، حتى يتم القضاء على آخر رضيع فيها، ولا مانع من أن يسبق ذلك توجيه دعوة للمواطنين الشرفاء بالخروج قبل ذلك. لكن، في الجملة حملة موجهة، تحمل رسالة واحدة تحريضية ضد سكان مدينة العريش، وتستهين بحياة الناس ومصالحهم وأمنهم واستقرارهم في حالةٍ غير مسبوقة من الانحطاط القيمي والأخلاقي.
هنا، أنقل نموذجاً من هذه الكتابات، كما هو (.. إنها الخيانة من أهل المنطقة. ... هناك أمور
لم يوجد لها غير تفسير واحد، وهو خيانة من أهل المنطقة... كيف تفسر ترك السكان المجاوربن لكمين الصفا، جنوب العريش منازلهم عصراً قبل الهجوم بساعات... ثم أين كان مدفع الهاون الذي أطلق عدة قزايف قبل الهجوم... والصور الخاصة بالهجوم، كما نشرها بيت المقدس، توضح أن المنطقة سكنية شعبية، يعني من قاموا بالهجوم خرجوا من قلب هذه البيوت، ومن كان بيصور الواقعة من داخل هدم البيوت....). انتهى كلامه. نقلته كما كتبه على صفحته، نقلته بالأخطاء اللغوية. ولا مانع من أن نصيحةً للقوات بلسان الوطنية "إنتو لِسَّه فاكرين المسلحين بجلاليب وديون. لا، دول ماليين مدينة العريش، وبيلبسوا وبيتحركوا في وسط الناس،
ولا مانع من أن يكون ذلك في إحدى قنوات ضد الانقلاب. إذن ما الحل؟
القصف والاعتقال العشوائي، ومن يقتل يبقى من الإرهابيين اللي لابسين زي المدنيين وعايشين بينهم. جهز المسرح لما هو قادم.
إنها رائحة المؤامرة والجريمة، فهؤلاء لم يروا في كل المشهد إلا أن المواطن السيناوي هو السبب في فشل الجيش والشرطة، ليس عند القوات وقياداتها أي تقصير. لكن السبب هم هؤلاء الخونة المتعاونون، فلا مانع من قتلهم. ويروج بعضهم، للأسف، ذلك، بدعوى حربه على السيسي، ومناصرته الشعب السيناوي، فيروج الدعاية السوداء التي تصدر من مكاتب إدارة المؤامرة.
يا سادة، انتبهوا. لله والتاريخ، أبناء سيناء ليسوا ضد الدولة المصرية. ليسوا ضد الجيش. ليسوا مؤدلجين مع أحد. فقط مواطنون يريدون حقوقاً وأمناً وفرصة حياة على أرضهم. لا تتاجروا بحياة الناس في مؤامراتكم. لا تحرّضوا على القتل والتخريب. قواتكم غير مؤهلة، ولا مدربة، وفشلت ضد المسلحين. عالجوا أخطاءكم، بعيداً عن حياة الناس. فإذا لم تعتبروا وتتعظوا، واستخدمتم الأساليب المهينة نفسها، فأبشروا بعشرات المسلحين ومئات القتلى، وفوضى لا تبقي متآمراً ولا متعاوناً ولا محايداً. يسير الجميع في طريق إضاعة سيناء الدولة، ومعارضيها والمسلحين. ولم يعد أحد يتورّع عن التحريض على القتل والظلم في كل الاتجاهات. إنها، في ظني، لحظة غضب سماوية، سيكوي بها الجميع،
فانتبهوا، يرحمكم الله.
من أهل سيناء المخلصين الواعين والفاهمين لمعاني الوطن والوطنية، كانت تلك الصرخة المدوية التي آثرنا نقلها بحذافيرها. صرخة ضد أمورٍ، تبدو قرائنها تلوح في الأفق، لتجهيز المسرح، ربما لتدويل مقدمة الأمن المصري في سيناء، أو تفريغها من أهلها، بدلاً من مزيدٍ من إعمارها. في إعمار سيناء أمنها وتأمينها، لكن بعضهم ليس بالقدر اليسير، لا زالوا يروجون مشروعاً أو مشروعين، يتم فيهما إنهاء مسألة سيناء على طريقتهم. تخلّص من سيناء، ففي ذلك الخلاص، وفي ظل صناعة خطاب الكراهية، تحتل سيناء مرتبةً متقدمةً للأسف من كتبةٍ مراهقين مع افتراض حسن النية، إلى كتبة متصهينين في الرؤية والوجهة، إلى بعض المأجورين والمنافقين لسلطة انقلابٍ باغيةٍ طاغيةٍ، يبرّرون كل شيء، مهما كان يمس عصب الأمن المصري، في ثوابته الكلية، الجغرافية والتاريخية، متخذين من صناعة الصورة حول أهل سيناء غطاءً وتغطيةً، ومن تخوينهم مدخلاً لتمرير خياناتهم الحقيقية أمن الوطن ومقدّراته. كفوا عن ذلك، أيا كانت أصنافكم، أو مصالحكم الدنيئة والآنية والأنانية، فالأمر لا يحتمل التلاعب بشأنٍ يمسّ أمن الوطن في الصميم وفي القلب. كفّوا عن مهاتراتٍ، في ما يتعلق بمواجهة عدو متعيّن وواضح، متمثل في الكيان الصهيوني الغاصب، وملف نهر النيل الغاضب. لم يعد التفريط في الأمرين يُحتمل، لأن في أحدهما الحياة وفي الآخر الأمن، عبارة مفتاحية يجب أن نتوقف عندها وفيها "عالجوا أخطاءكم بعيداً عن حياة الناس". إنه لا ينفع الندم بعد فوات الأوان، ألا هل بلّغت مع أخي السيناوي.. اللّهمّ فاشهد.
ECE602C0-DB35-414B-9572-17B675CE3C2A
سيف الدين عبد الفتاح

كاتب وباحث مصري، مواليد 1954، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، من مؤلفاته "في النظرية السياسية من منظور إسلامي"، و" التجديد السياسي والواقع العربي المعاصر.. رؤية إسلامية".