بين سورية وتونس

بين سورية وتونس

22 مارس 2016
+ الخط -
يمكن أن نؤيد ما ذهب إليه برهان غليون أن الحرب في سورية انتهت، أو على الأقل القول إن الأزمة السورية، في بعدها الحربي، تتجه نحو التسوية السياسية، بعد أن عجز العنف المسلح على إطاحة نظام الأسد، وإقامة نظام ديمقراطي قادر على حماية وحدة سورية. وعلى الرغم من أن هذا الأكيد يحتاج مزيداً من التريّث، لمعرفة مآل مفاوضات جنيف، إلا أن المؤشرات العامة تدل على أن النهاية قد قربت، ونقصد نهاية مأساة الشعب السوري الذي يعتبر الخاسر الأكبر في هذه الحرب.
السؤال الذي يطرح نفسه على شخص مثلي: هل سيساعد التقدم السياسي نحو غلق الملف السوي على حسم المعركة الدائرة في تونس ضد تنظيم الدولة الإسلامية، أم من شأنه أن يزيد في تأجيجها وتعقيدها؟
قد يستغرب بعضهم السؤال، نظراً لبعد المسافة بين الشام وتونس، لكن المسافات لم تعد عائقا في هذا العصر، وفي هذه المرحلة التاريخية الصعبة والمضطربة.
يشبه العالم العربي كيس البلاستيك المغلق، إذا ضغطت عليه في مكانٍ ما ينتقل الضغط إلى مكان آخر، خصوصاً في هذا الظرف الذي ضعفت فيه الدول، بل وانهارت في بعض البلدان. وهو ما يتجلى في ليبيا التي جعلت منها التنظيمات التي تصف نفسها بـ "الجهادية" نقطة ارتكاز لتهديد العمق المغاربي، بدءاً من تونس، خطوة أساسية نحو إطاحة الدولة الجزائرية.
سيبذل التنظيم قصارى جهده للدفاع عن مواقعه في العراق والشام. لكن، بما أننا أمام تنظيم متعدد الجنسيات يتغذّى من الفوضى وانتشار الدول الفاشلة أو الهشة، فإنه إذا حوصر في مكان ما يتمتع بالمرونة والقدرة على التمدد أو الانتقال إلى مواقع جديدة، تتوفر فيها القابلية لاحتضانه ولو فترة قد لا تطول. في هذه الأجواء، تبقى ليبيا البلد المفضل لتحقيق هذا التمدد نحو شمال أفريقيا وجنوبها، والمهيأ أكثر من غيره لاستقبال آلافٍ من الدواعش، بحكم أنها البلد الأكثر فوضى، والذي لا يزال مرشحا لمزيد من التقاتل بين مختلف المليشيات.
هناك حالياً سباق مع الزمن، فمن جهة تعمل داعش على توجيه أقصى عدد ممكن من مقاتليها الموجودين في سورية نحو ليبيا، حتى تخفف الضغط على أنصارها الذين عسكروا في كل من سرت ودرنة ومصراتة وسبراطة. وتقدر أجهزة الاستخبارات الأميركية أن عدد مقاتلي داعش في العراق وسورية انخفض إلى نحو 25 ألف مقاتل، بعدما كان 31500 مقاتل بسبب العمليات العسكرية والضربات الجوية للتحالف الدولي ضد داعش، لكن عدد مقاتلي داعش في ليبيا تضاعف، في الفترة نفسها مرتين تقريباً، بحيث وصل إلى نحو 6500 مقاتل.
وفي مقابل هذا التوسع المتزايد بنسق سريع، يسعى الفرقاء الليبيون المؤمنون بالحل السياسي إلى الدفاع عن مشروع "حكومة الوحدة الوطنية" التي أصبحت واقعاً ملموساً، بعد حصولها على نوع من التفويض الأغلبي من داخل برلماني طبرق وطرابلس. لكنها تبقى حكومةً مهددةً، على الرغم من التأييد الدولي لها.
وتشارك في هذا السباق الأطراف الدولية المتخوفة جداً من التمدد الداعشي، والتي هيأت خطة للقيام بتدخل عسكري في ليبيا، يبدأ بالقصف الجوي، لكنه لا يستبعد اللجوء إلى تدخل برّي لاستئصال مجموعات تنظيم الدولة. لكنْ هناك أطراف عديدة متخوفة من هذا التدخل، وتعلن اعتراضها عليه، وإن كانت حالياً ليست صاحبة الصوت الأعلى في هذه المرحلة، بمن في ذلك الحكومات المحلية.
في هذا السياق، تُفهم التداعيات المحتملة لما يجري في المشرق على المغرب، مما يحدث في سورية على تونس التي أعلن رئيسها يوم ذكرى الاستقلال أن التونسيين على استعداد لاحتضان مرة أخرى مليوناً و300 ألف ليبي، واستضافتهم، إلى أن يعالج الوضع الليبي بشكل كامل. المهم بالنسبة إليه أن يقدّر الليبيون الإجراءات الاستثنائية التي اضطرت الحكومة التونسية إلى اللجوء إليها في ظل المعركة المفتوحة مع الدواعش في مدينة بنقردان وغيرها. والأشهر المقبلة ستكون حاسمة.

266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس