لا تسمعوا من أحد غيري

لا تسمعوا من أحد غيري

20 مارس 2016
+ الخط -
لم يكن حواراً بالمعنى الحقيقي للحوار بين طرفين، لكنه كان مثل أي حوار حكومي معتاد، حوار من طرف واحد، كالصراخ أمام المرآة. الطرف ذو السلطة يفرغ ما في جوفه من ترّهات على مسجونٍ مكبّل، وليس هناك حق الرد، إنه "مونولوغ" من طرفٍ إلى نفسه، وليس "ديالوغ" بين طرفين.
كانت خطبةً لا تختلف كثيراً عن هراء الخبراء العسكريين والاستراتيجيين، طرف يتحدث ولا يسمع، إلا نفسه. ولذلك، لم يكن لي حق الرد ولا فرصة للرد ولا وقت للرد، والنقاش.
كان الشرر يتطاير من عينيه اللتين كانتا تنطقان بالكراهية. أعتقد أنه لو سنحت له فرصةٌ لمزيد من التنكيل بدون "دوشة"، لفعل بدون تردد، كان كلامه مليئاً بالكراهية والغل الذي لم ألاحظه من قبل.
قال لي: لم يعد لوجود أمثالكم أي داع، ليس لكم مكان في مصر الآن. فسألته: ماذا تقصد بأنتم وأمثالكم ماذا تعني؟ كان ذلك السؤال أو الرد الأول والأخير، ولم يترك لي فرصة للحديث، أو الرد بعدها.
قال لي بصوت أعلى يقطر كراهية: ليس هناك مجال أو مكان في مصر لمن يطلق عليهم نشطاء أو حقوقيون أو معارضة، فلا وقت لما يسمى معارضة وجدالاً وتعطيلاً وتشكيكاً. الوقت هو وقت الاصطفاف، والبناء.
ولكن، لم أجد فرصة لأقول له إن البناء الحقيقي، إن صدقت النيات، يتطلّب أن تكون هناك معارضة، ونشطاء، وحقوقيون، فلا بد من وجود معارضة من أجل التنبيه للأخطاء، ولا بد من وجود نقاش مجتمعي، قبل القرارات والقوانين، حتى نصل إلى الصيغة الأحسن. ولا بد من وجود طرق ووسائل للتعبير الحر عن الرأي المعارض، ولوجود الاختلاف، لأن انسداد الطرق السلمية يؤدي إلى التطرف والعنف.
لم يعطني فرصة لأقول له إن المعارضة قد تكون أهم من الموالاة، إن كانت هناك نيات صادقة
كما يقال، فالوطن منزوع المعارضة كالطائر بجناحٍ واحد، والدكتاتورية والسلطوية هي التي أدت إلى هزيمة 1967، وإلى تأخر مصر وتخلّفها. أما عن حقوق الإنسان، فوقف الانتقادات الدولية سهل وبسيط، فقط أوقفوا الانتهاكات، فقط أوقفوا الظلم والتنكيل والانتقام، فقط أقيموا العدل. قال لي: أنتم لا تعطون الرجل فرصة، هو ليس دكتاتوراً، كما تدّعون، ولا يريد أن يحتفظ بالسلطة كحسني مبارك، وليس لديه حزب حاكم، سينهي فترته وإنجازاته، ويرحل. لم أجد الفرصة لأقول له إن على ما تسمونها "إنجازات ومعجزات" ملاحظات كثيرة من جهة المتخصصين قبل السياسيين، فقد حذّر عشرات المتخصصين، البعيدين كل البعد عن السياسة، من جدوى تفريعة قناة السويس، أو العاصمة الجديدة، وغيرها من مشروعات "الفنكوش"، والبهرجة، فأسلوب المشروعات الوهمية، والمبالغة الإعلامية، لم يصنع تقدماً، ولم ينقذ مبارك من الثورة، بعد انكشاف الحقائق.
قال: السيسي هو من أنقذ مصر من الفوضى والإرهاب، هو المنقذ والمخلّص، حتى لو فشل في الملف الاقتصادي، فيكفيه ما فعله من إنقاذ في وقت خطر. من دون السيسي كانت مصر ضاعت.
لم يعطني الفرصة لأقول له هذا رأيك. ولكن، من حقي أن أختلف، فحتى لو افترضنا صحة عبارة أنه أنقذ مصر في لحظة صعبة، وهذه مشكوك فيها، لأن السيناريو كان معدّاً قبل ذلك بفترة كبيرة، وحتى لو افترضنا صدق ما يقال إنه المنقذ من الفوضى والإرهاب، فإن ما يفعله الآن سيقودنا نحو الخراب والفوضى، فهو فاشل في إدارة الدولة، ويطبّق سياسات حسني مبارك نفسها التي أدت إلى حدوث ثورة، ويستعين برجال مبارك ومنهجه. بالإضافة إلى الفشل الاقتصادي، وألف باء اقتصاد تقول إنه لا استثمار، ولا سياحة، ولا نمو اقتصادياً، بدون استقرار سياسي. وكيف يحدث استقرار سياسي مع كل ذلك القمع، والحبس، والإقصاء، إذا كان يصرّ على مسح كل من يختلف معه من على وجه الأرض، وكيف يكون هناك تعاون، أو هدوء؟ وماذا عن آلاف المحبوسين ظلماً، وماذا عن المحبوسين بسبب كلمة أو تغريدة، أوانتقاد، أو مظاهرة، أو حتى تفكير في اعتراض، أو مجرد تفكير في مظاهرة؟ وماذا عن آلاف العائلات لآلاف المحبوسين؟ وماذا عن زوجات وأولاد وأصدقاء ومعارف آلاف المحبوسين ظلماً، فصناعة الكراهية هي ما ستؤدي إلى زيادة التطرف، والإقصاء، والظلم، والتشويه، وإغلاق المسار السياسي، هو ما سيجعل بعضهم يلجأون لوسائل أخرى .
قال لي: ليس هذا وقت معارضة وانتقاد، إنه وقت بناء وعمل. ولكن، لم أجد الفرصة لأقول: كيف أساهم في البناء والعمل وأنا مسجون؟ وبغض النظر عن المسجونين، والمعارضين، ومن تم إقصاؤهم، كيف ينتج الشعب إذا لم تكن هناك خطة شاملة؟ هذا أشبه بالجري في المكان، جري من دون نتيجة؟ كيف يكون هناك إنتاج، وتقدم، مع الفساد والتخبّط والعشوائية وجمود القوانين، فهذا سيلتهم أية نتائج؟
عاجلني بالقول: "احمدوا ربنا إننا مش زي سورية والعراق واليمن وليبيا، الراجل ده أنقذ مصر". بالطبع، لم تكن هناك فرصة للرد أمام طلقاته المتسارعة، وخطبته العصماء، فلم يسمع كلامي إن مصر ليس فيها طوائف سورية، ولم يكن فيها الميراث الدموي الذى صنعه الأسد، فليس لدينا جيش طائفي. لماذا يتم تجاهل أن دول "سايكس بيكو" نشأت باتفاقات بين عائلات والاستعمار، مع تجاهل التركيبة المعقدة لتلك المناطق وتعدد الطوائف والأعراق، وصراعاتها منذ مئات السنين، هل الثورات العربية هي التي جعلت صدام يحتل الكويت وما تبع ذلك، هل هي التي جعلت نوري المالكي يضطهد السنّة في العراق؟ من الذي تعمّد "أسلمة" الثورة السورية، ودفعها نحو العنف؟ وهل كانت هناك دولة أو جيش في ليبيا في عهد معمر القذافي؟ وماذا عن دور الكفيل السعودي الذي يموّل ويساند السيسي المنقذ، وماذا عن الإمارات، والأردن، وهناك حزب الله، وإيران، لا تسطَحوا الأمور في نظريات المؤامرة، والجيل الرابع، ومخططات التقسيم الوهمية.
بالطبع، لم يسمعني، فهو نتائج منهج السيسي بأن لا تسمعوا من أحد غيري، "اسمعوا كلامي أنا بس، محدش يتكلم غيري، اسكتوا".
DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017