ربما يأتي من يحاول التفكير بعقلانية

ربما يأتي من يحاول التفكير بعقلانية

02 مارس 2016

السيسي وجون برينان.. اجتماع مفاجئ وغامض

+ الخط -
1) وأضاف المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية أن جميع لقاءات وزير الخارجية مع أعضاء الكونغرس بمجلسيه عكست اهتماما وحرصا على العلاقات المتبادلة، وأهمية دور مصر باعتبارها "نقطة ارتكاز"، تستند إليها الولايات المتحدة، لدعم الاستقرار في المنطقة ومواجهة الإرهاب ومواجهة تفكك الدولة، نتيجة الأزمات المتلاحقة وغير المسبوقة في المنطقة، وقد اتسمت محادثات شكري مع الكونغرس الأميركي بقدرٍ من التقارب والتفاهم، وقد أكد شكري أن الإرادة المصرية في عملية التحول الديمقراطي ثابتة، ولا رجوع عنها.
2) ما سبق مقتطفات من بيانات رسمية نشرتها، أخيراً، الصحف الرسمية المصرية، بشأن جولة وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في الولايات المتحدة الأميركية، للتسويق للبرلمان الجديد، ولمحاولة إقناع دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة أن "كله تمام"، وأنه لا توجد أي انتهاكات لحقوق الإنسان، وأن مصر أصبحت واحة الديمقراطية الآن، بعد الاستحقاق الثالث، وأن كل ما يثار في الصحف العالمية، أو وسائل التواصل الاجتماعي، أو تقارير منظمات حقوق الإنسان المصرية والدولية عن الانتهاكات والحبس العشوائي والتعذيب في الأقسام والسجون، مبالغة وتضخيم، فلا توجد في مصر أي انتهاكات، ولا حبس احتياطي، قد يصل إلى طول العمر بدون محاكمة، على ذمة قضايا تافهة، ولا أحكام بالسجن المشدّد في ظروف غير آدمية، بسبب التظاهر أو محاولة التظاهر، أو التفكير في التظاهر.
التقى سامح شكري مع الدوائر الرسمية والكونغرس بمجلسيه، وعدد من وسائل الإعلام والصحف الأميركية، وكذلك مدير المخابرات المركزية الأميركية، ورئيس لجنة المخابرات في الكونغرس.
3) ولكن السؤال الأهم، الآن، لماذا هناك تضارب وتناقض تام بين توجهات وتصريحات شكري وحكومته داخل مصر عن خارجها؟ إذا كان الإعلام الرسمي ومسؤولين حكوميين مصريين كثيرين، يحدثوننا طوال الـ24 ساعة عن المؤامرات الأميركية ضد مصر،
والمحاولات الأميركية الدائمة لتخريب مصر، والخطط السرية، ومخطط التقسيم وصناعة الإرهاب و.. و..، لماذا لم يصرخ سامح شكري في وجوههم في عقر دارهم، ويقل لهم توقفوا عن صنع المؤامرات، أيها المتآمرون. توقفوا عن تخريب مصر، أيها الأوغاد. كيف جلس مبتسما مع "الإيباك" واللوبي الصهيوني، وهو يتحدث عن التعاون المشترك وضرورة دعمهم مصر؟ لماذا لم يواجههم بالمؤامرات المزعومة؟ لماذا كان متسامحاً مع المتآمرين؟
4 ) أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي أهمية الارتقاء بالتعاون مع الولايات المتحدة إلى مرحلة جديدة، تتناسب مع التغيرات الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها خطر الإرهاب، وأكد أهمية مواصلة قيام الولايات المتحدة بدورها، تجاه منطقة الشرق الأوسط، من خلال لقائه مع رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية، وقد أشار السيسي إلى عمق العلاقات الاستراتيجية منذ عقود، وإلى نجاح تلك العلاقات في اجتياز تحديات عديدة في السنوات القليلة الماضية.
5) والسؤال الأخطر... وماذا عن المقابلة الغامضة للصديقين، السيسي وجون برينان، رئيسي المخابرات الحربية المصرية السابق والمخابرات الأميركية الحالي، اجتماع مفاجئ وغامض، وتم ترويجه في وسائل الإعلام بشكل مكثف وغير مسبوق، لمثل هذه النوعية من الاجتماعات، أما عما دار في الاجتماع فقد تم نشر العناوين المعتادة نفسها عن التعاون المشترك لمكافحة الإرهاب والعلاقات العميقة والقديمة بين مصر والولايات المتحدة، والصداقة الدائمة والمصالح المشتركة والتنسيق الاستخباراتي التام والدائم.
والسؤال الساذج الذي أحاول سؤاله كالعادة، وأنا أعلم أنه ليس هناك ناس كثيرون سيسمحون لعقولهم بإعادة التفكير في مدى مصداقية (ومنطقية) الحكايات الحكومية عن العالم الذي يتآمر علينا طول الوقت، كيف استقبل السيسي رأس الأفعى؟ أليس مدير الاستخبارات الأميركية هو رأس الأفعى، طبقا لوسائل الإعلام المصرية الرسمية والخاصة، وطبقا لتصريحات الخبراء الأمنيين ومعظم المسؤولين الحكوميين؟
لماذا كان السيسي يجتمع معه بمنتهى الود والأريحية والحميمية والضحك والسعادة؟ أليس هذا هو رأس الحربة في التخطيط لمؤامرات تقسيم المنطقة والفوضى الخلاقة، حسب زعم السيسي وأنصاره وإعلامه، كيف يتم التنسيق مع المخابرات الأميركية لمحاربة الإرهاب؟ أليسوا هم من صنعوا الإرهاب، حسب زعمهم؟ كيف يتحدث السيسي معهم عن الاستقرار، ويدعوهم إلى عودة السياحة والاستثمارات؟ أليسوا هم حسب، زعم حكومة السيسي وأنصاره وإعلامه، من تسببوا في حروب الجيل الرابع لتدمير البلدان من الداخل؟ وإذا لم يكن الأميركان هم من يتآمرون ضدنا ويصدرون لنا حروب الجيل الرابع لتدميرنا.. فمن إذن؟
6) واستكمالاً للأسئلة الساذجة التي لن تثير انتباه إلا عدد قليل ممن لديهم استعداد لاستعمال العقل
يبقى السؤال الأهم على الإطلاق، من هو العميل وماذا يفعل تحديداً؟ إنه بالتأكيد الذي يعمل على تدمير الدولة من الداخل، لخدمة أعداء الوطن بشكل متعمد ومقصود، نظير مقابل وتعليمات من العدو، هل العميل الحقيقي شخص لا حول له ولا قوة. ولكن، لديه ضمير ورأي معارض أو مخالف للفساد والفشل، أم من هو في موقع إدارة ومسؤولية، ويخرب البلد عن طريق تخريب التعليم والصحة والطرق، وكل موارد الدولة. هل هو ناشط يتبرع بجزء من وقته، من أجل العمل التطوعي السياسي أو الاجتماعي، أم هو الموظف الفاسد والفاشل؟ هل هو الذي يمكن أن يتقابل مع صحافيين أو أكاديميين، أم من يلتقي مع مسؤولي الحكومات والاستخبارات الغربية؟ هل يكفي ختم النسر لإضفاء الشرعية والبراءة على الاجتماعات غير البريئة، بينما يتم اعتبار لقاء أو تواصل لأي شخص من خارج مباركة النظام مع الخارج مؤامرة أو لقاء غير شرعي، هل هو تبرير للفساد والفشل أم تبرير للعجز والخوف؟
7) بالتأكيد، لن تثير مثل تلك التساؤلات أي صدى لدى من يؤيد الفساد والاستبداد، فهو يفهم الحقيقة أكثر منك، وهو يعلم تفاهة وعدم منطقية ومعقولية نظريات المؤامرة والجيل الرابع أكثر منك، لكنه يحتاج إلى مبرر وحجة لتبرير الفساد والاستبداد وتأييدهما. ولذلك، لن تجدي كثيرا تساؤلات إعمال العقل، ولكن أيضا علينا أن نذكر الحقائق، وندعو إلى التفكير والنظر بشكل مختلف، فربما يأتي، بعد عدة عقود، من يحاول التفكير.

DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017