مصر والمغرب والعلاقات الحرجة

مصر والمغرب والعلاقات الحرجة

05 ديسمبر 2016
+ الخط -
طرح التباين المصري المغربي في القمة العربية الأفريقية، أخيراً، في غينيا، بشأن عدم الانسحاب المصري منها، بسبب مشاركة وفد من جبهة بوليساريو التى تسعى إلى انفصال إقليم الصحراء عن المغرب، طرح عدة تساؤلاتٍ، منها ما إذا كان الموقف المصري مفاجئا للمغرب، أو حتى دول الخليج التي انسحب بعضها تضامناً مع المغرب، وما هي مبرّراته. هل هي سياسية أم اقتصادية أم أيدولوجية، أم ذلك كله جميعا؟ ثم ما أثر ذلك على العلاقة بين الجانبين، وهل يمكن أن تصل إلى درجة القطيعة الدبلوماسية؟
بدايةً، يمكن القول إن الموقف المصري من "بوليساريو" ليس جديداً منذ تولي عبد الفتاح السيسي تحديدا الحكم في يونيو/ حزيران 2014، فلم يكن قد مضى على الرجل أكثر من شهر، حتى التقى بما يسمى رئيس الجمهورية الصحراوية (الراحل) محمد عبد العزيز، على هامش القمة الأفريقية في غينيا، ثم تلا ذلك لقاء وفد من إعلاميين مصريين بممثلين للصحراويين في الجزائر، وإصدار كتاب "الصحراء بعيون مصرية"، بل وصل الأمر إلى زيارة رسمية لوفد من الصحراويين شرم الشيخ للمشاركة في الاجتماعات المشتركة للبرلمانيين العرب والأفارقة، وقبلها، وهذا هو الأهم، رفض مصر التوقيع على طلبٍ، تقدمت به 28 دولة عربية وأفريقية للقمة الأفريقية في كيجالي، في يوليو/ تموز الماضي، بشأن سحب عضوية "الجمهورية الصحراوية" من الاتحاد الأفريقي، وهي القمة نفسها التي تقدمت لها المغرب بطلب العودة إلى المؤسسة الأفريقية بعد قطيعة استمرت أكثر من 32 عاماً، بسبب قبول عضوية "الجمهورية" المذكورة فيها.
معنى هذا أن الأمر ليس مفاجئاً للمغرب، فهذه مؤشرات تشير إلى تقارب السيسي مع "بوليساريو" الذي يبدو أنه ينحرف عن السياسة الخارجية المصرية منذ أنور السادات، والتي كانت تلتزم الحياد بشأن هذه القضية، نظرا لحساسيتها لدول المغرب العربي بصفة عامة، والجزائر والمغرب خصوصاً. ولكن، يبدو أن السؤال الأهم، والذي يحتاج تفسيراً يتعلق بدوافع السيسي، وهل الأمر يتعلق بالمغرب تحديداً، أم هناك أسباب أخرى؟
كانت العلاقات بين مصر والمغرب قبل السيسي، شأن أي علاقات، تشهد تحسناً في أوقات،
وتراجعا في أوقات أخرى، لكن ليس بسبب قضية الصحراء التي حرص السادات وحسني مبارك على تسميتها الصحراء المغربية، تضامنا مع الرباط. فعلى سبيل المثال، وعلى الرغم من أن العلاقات شهدت تحسناً ملحوظاً خلال حكم مبارك، خصوصاً بعدما ساهمت قمة الدار البيضاء العربية 1989 في عودة مصر إلى الجامعة، إلا أنها شهدت توتراً لأسباب أخرى، ارتبط بعضها بالفن، مثل أزمة المسلسل المصري "العار" عام 2010 ، وقد جسّدت فيه ملكة جمال المغرب دور عاهرة، ما اُثار حالة غضب شديد على الصعيدين الرسمي والشعبي، بل طالبت الخارجية المغربية في حينها السلطات المصرية بالاعتذار أولاً، وحذف المشاهد المسيئة، وإلا فإنها تحتفظ بحقها في الرد الذي قد يصل إلى درجة القطيعة الدبلوماسية. ثم تكرر الأمر في العام الأخير من حكم مبارك، عندما نشبت أزمة دبلوماسية، بسبب تصريحات لمختار الكسباني، مستشار الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في مصر، طالب فيها بسحب ملف القدس من المغرب لضعف الأداء، وإعطائه لدولة إسلامية قوية ذات علاقات دولية متينة مثل تركيا.
ما أسباب موقف مصر السيسي من قضية الصحراء، لا سيما أن المغرب كان حريصاً منذ انقلاب يوليو 2013 على عدم الاعتراض عليه، بل كان من أوائل المؤيدين لوصول الرجل إلى الحكم، بل إن رئيس الحكومة المغربية ذات المرجعية الإسلامية، عبد الإله بنكيران، التقى به على هامش القمة العربية في شرم الشيخ العام الماضي. هناك عدة أسباب تصلح لتفسير ذلك. أولها رغبة السيسي في الحصول على المشروعية الدولية، خصوصاً على الصعيد الأفريقي الذي علق عضوية مصر في الاتحاد، بسبب الانقلاب. وبالتالي، كان لا بد من البحث عن دول ذات ثقل أفريقي في هذا الشأن، لإقناع المنظمة الأفريقية بالعدول عن قرارها. وهنا، برز دور الجزائر، فهي دولة ذات ثقل كبير في أفريقيا، ولعبت دوراً مهماً في عودة مصر الأفريقية، في حين أن المغرب ليس عضوا في الاتحاد، كما أن استعداد الجزائر لتقديم الغاز الطبيعي والبوتاغاز لمصر بأسعار رخيصة جعل الرجل ينحاز لها على حساب الرباط، فكان منطقياً أن تكون أول دولة يزورها في طريقه لحضور أول قمة أفريقية في مالابو، بعد توليه الحكم، وربما يفسر هذا أيضا أسباب لقائه على هامشها بمحمد عبد العزيز إرضاء للجزائر.
وبشأن موقفه أخيراً في قمة مالابو، لا يقتصر الأمر فقط على رغبة مصر في استمرار الدعم الجزائري لها بالوقود، وإنما ظهرت أبعاد أخرى، قد لا ترتبط بقضية الصحراء، منها رغبة
السيسي في التقارب مع الكويت تحديداً التي وقعت معه اتفاقاً لتزويد مصر بمليوني برميل من النفط الخام شهرياً، على أن يكون الدفع بعد تسعة أشهر من التسليم، ردا على قرار شركة أرامكو السعودية وقف حصة مصر الشهرية من المشتقات البترولية، بسبب الخلافات بين الرياض والقاهرة بشأن الأزمة السورية. ليس لهذا التقارب علاقة بقضية الصحراء، لأن مشاركة الكويت في هذه القمة كونها رئيسة القمة السابقة 2013، وسيتم الاحتفاء بها كونها الدولة العربية الوحيدة التي قدمت مساعدات واستثمارات لأفريقيا بملياري دولار، وليس لأن الكويت تدعم "بوليساريو"، فهي ملتزمة بموقف دول الخليج في هذا الشأن، والذي عبرت عنه القمة الخليجية المغربية الأولى في الرياض في إبريل/ نيسان الماضي، والذي أكد العاهل السعودي في افتتاحيتها على دعم دول الخليج الموقف المغربي في هذه القضية. إذن، يبدو أن السيسي حاول التضامن مع الكويت بعد توتر علاقاته بالسعودية، ويبدو أنه منزعج أيضاً من التعاون المغربي الخليجي أخيراً الذي يبدو أنه جاء على حسابه.
قد تصلح كل هذه العوامل مجتمعة لتفسير الموقف المصري من قضية الصحراء، ومن العلاقة مع المغرب. أما تبرير مصر المشاركة بأنها تسعى إلى العودة إلى أفريقيا، ولعب دور فاعل فيها، فهو مردودٌ عليه بأن بوابة أفريقيا هي الاتحاد الأفريقي الذي هي عضو فيه، ولا ينبغي أن يكون ذلك على حساب علاقاتها العربية، لا سيما أنها عضو أيضا في جامعة الدول العربية. وبالنسبة للتبرير الآخر بشأن عدم رغبة السيسي في التعامل مع الإسلاميين في المغرب، فهو مردود عليه أيضا، بأن الملك هو الذي يصنع السياسة الخارجية، والحكومة تنفذها، وهو ما قاله بنكيران أيضاً بشأن لقائه السيسي في شرم الشيخ.
يبقى القول إن العلاقات المصرية المغربية، وإن شهدت توتراً، لن تصل إلى درجة القطيعة في ضوء الأزمات السابقة، لا سيما أن القضية الحرجة بينهما، وهي طلب سحب عضوية "الجمهورية الصحراوية" تم تأجيله إلى القمة الأفريقية المقبلة في يناير/ كانون الثاني المقبل.
B8DDCC55-8075-41F9-A617-4F3EA9A3A8C9
بدر شافعي

كاتب وباحث مصري، يحمل الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، له كتابان عن تسوية الصراعات في إفريقيا، وعن دور شركات الأمن في الصراعات.