في وصف جحيم حلب

في وصف جحيم حلب

21 ديسمبر 2016
+ الخط -
هل من سائل فأردّ عليه؟
أسمع شخصاً ما يستفسر عن الجحيم. أنت محظوظ، يا صديقي، فقد وقعت على الخبير، فأنا من سكان حلب، ومن قد يجيبك عن الجحيم إلا ساكن في حلب؟
الحمم المتساقطة علينا من السماء هي أهون ما في هذا الجحيم الذي تسألني عنه، فأنت محظوظٌ إن كانت من نصيبك، فهي على أيّ حال ستخرجك من هذا الجحيم، وهي تسقط علينا من كلّ شكل ولون، صواريخ وقذائف وبراميل، كلّ هذا بالطبع بخلاف الكيماوي الذي أصبح مصاحباً لكلً قصف.
الأطفال، أتكلّم هنا عن قعر الجحيم، فأنت لم تعرف معنى أن تجلس أنت وأسرتك، أو المتبقي منها، في أثناء تعرّض المدينة للقصف وأطفالك يسألونك عن المخرج، وأنت عاجز عن إيجاد أيّ حل. كلّ ما عليك فعله هو الانتظار، القصف لا يتوقف، والخوف لا يسكت عنك، خوفك على أبنائك وأهلك، خوفك على بلدك، وعلى دينك.
أمست القبور، في هذه الأيام، بيوتنا التي شيدناها نحن وأجدادنا، بمثابة القبور لكثيرين منا، فالصاروخ عندما ينزل على البيت يحوّله إلى قبر جماعي في غمضة عين، والقصف لم يترك لنا آليات الدفاع المدني التي قد تساعد حتى في انتشال الجثث، أين الوعاظ الذين كانوا يلومون أهلنا بأنهم عمّروا بيوت الدنيا، ونسوا بيوت الآخرة، ها نحن قد أصبحت منازلنا أول منازل الأخرة، لقد أصبح الكل في واحد، بيوتنا قبورنا، وقبورنا بيوتنا.
الجوع، أصبح هو الشعور الأصلي والأساسي في حياتنا، تكيّفنا معه إلى درجة أنّني صرت لا أتذكر شعور الشبعان، أعرف أنّك لن تفهم ما أقول لك. ولكن، دعني أقرّب لك الصورة، فأنت عندما تصاب بمرضٍ تشعر بألم، وتسأل عندها عن شكل شعورك بالصحة.
المرض، صارت المستشفيات عندنا، يا صديقي، من أخطر الأماكن، قد تدخلها طبيباً أو مصاباً، فلا تخرج منها على الإطلاق، فالقذائف تستهدف المستشفيات بالذات، فبمجرد أن يتنامى لعلم عدونا، أو أعدائنا على الأصح، مكان مستشفى ميداني ما، لا يهدأ له بال، حتى تتحوّل هذة المستشفى إلى قبر جماعي. وهذا بالطبع إلى جانب نقص الأدوية أو انعدامها، أطباؤنا أبطال لم تفتر عزيمتهم، على الرغم مما حكيت لك عنه، فهم يدخلون مستشفياتهم بعزيمة الجندي الذي يدخل الخندق، وهو متأكد أنّه لن يخرج منه.
الخراب، مدينتي لم تصبح هي مدينتي نفسها التي نشأت وتربيت فيها، استحضر في ذهنك أقسى مشاهد المدن المخرّبة في الأفلام التي تصوّر دمار المدن في الحروب العالمية، ولن تقترب إلى وصف مدينتي الآن، فإن وجدت بيتا غير مهدّم تنظر إليه باستغراب، هذا إذا أتيحت لك فرصة المشي في الشارع للتأمّل والمشاهدة.
التاريخ، عندما أنظر إلى التاريخ أصبح أكثر قلقاً، فالتاريخ القديم يصوّر لنا سقوط غرناطة، والتاريخ القريب يصوّر سقوط عكا وحيفا. ودعني أقول لك بصوت منخفض حتى لا يسمع أبنائي، فأنا لا أظن أننّا سنكون أفضل حالا من هاتين المدينتين، فالظروف واحدة، وأنا، يا صديقي، لا أريد أن أخدع نفسي، كما خدع سكان هذه المدن أنفسهم وقتها بأنّ النصرة ستأتيهم من إخوانهم، فالكلّ يا صديقي في قبضة الطغيان مأسور، والطغيان بقيد الخيانة مغلول.
015049DB-96A2-4A1C-B7A9-AAAE061DD525
015049DB-96A2-4A1C-B7A9-AAAE061DD525
علي خيري (مصر)
علي خيري (مصر)