لماذا يحتفلون في طهران؟

لماذا يحتفلون في طهران؟

14 ديسمبر 2016
+ الخط -
تستعد إيران، على ما يرجو ملاليها، لإقامة احتفاليات كبرى مطلع العام الجديد. لن تكون مرتبطةً هذا العام بالذكرى 38 لانتصار ثورتها الثيوقراطية على نظام الشاه، والتي تصادف شهر فبراير/ شباط من كل عام، إنما بالتطورات الميدانية على الأرض في سورية والعراق. فمع إطفاء شمعة الأيام الأخيرة من عام 2016 تتوقع إيران أن تكون حلب المضرّجة بدماء أطفالها ونسائها قد سقطت كلياً بيد التحالف الذي يضمها وروسيا في سورية، كما يتوقع أن تكون الموصل قد سقطت، هي الأخرى، بيد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، ويضم حلفاء إيران من قوى وأحزاب ومليشيات عراقية، وهي تطوراتٌ تأمل حكومة طهران من خلالها إعلان انتصارها في معركة السيطرة على هلال العرب الخصيب.
لكن، إذا تركنا جانباً الطريقة "الاستفزازية" في الدعاية لنفسها، ولانتصاراتها المزعومة، والتي تبدو فيها إيران منتصرةً حتى عندما تُهزم، على شاكلة الأنظمة العربية التي تدّعي النصر لمجرد أنها بقيت صامدة، حتى لو لحقت بأوطانها أنكر الهزائم، ونظرنا إلى الواقع من ثم بطريقةٍ أكثر تجرّداً، لوجدنا أن إيران أبعد ما تكون عن وضعية الرابح الأكبر في معركة السيطرة على سورية والعراق. كيف، ولماذا؟
بعد خروج القوات الأميركية من العراق أواخر العام 2011، خلت الساحة العراقية تماماً للنفوذ الإيراني. وعلى الرغم من التنافس مع تركيا على سورية التي كانت ضعفت كثيراً بعد خروج قواتها من لبنان، والحصار الغربي عليها، إلا أن حكومة "العدالة والتنمية"، وعلى عادتها، لم تبد مهتمة بأكثر من بسط سيطرتها على السوق السورية، والولوج من خلالها نحو أسواق منطقة الخليج. لذلك لم تشكل تركيا تحدياً فعلياً للنفوذ الإيراني في سورية.
لكن إيران المرفوضة على المستوى الشعبي العربي، ومن جميع المذاهب بلا استثناء، لمحاولاتها فرض قيمها وثقافتها وأيديولوجيتها، لم تحظ بفرصة تعزيز نفوذها في المشرق، فثارت سورية عام 2011 ولحقها العراق عام 2012. وعندما فشلت إيران في اخضاع البلدين، وظهرت بوادر انهيار نفوذها فيهما، استعانت، عبر حلفائها في العراق، بأميركا، وفي سورية بروسيا. لبى الأميركيون، كما الروس، النداء، كلٌ لأسبابه، وعادوا إلى المنطقة، ليس لإنقاذ النفوذ الإيراني، بل لاستعادة ما كانوا خسروه لإيران نفسها قبل ذلك.
وإذا كانت قصة خسارة أميركا العراق للنفوذ الإيراني قريبة، وتعيها الذاكرة، فقد كانت سورية، أكثر من أربعة عقود، أهم حلفاء موسكو في المشرق العربي، قبل أن تتغيّر الأمور مع نهاية الحرب الباردة. ويبدأ التحول نحو إيران في العقد الأخير. وفضلاً عن أن لروسيا بقايا نفوذ وتأثير في المؤسسة العسكرية والأمنية للنظام السوري، فإن لها تأثيرا ثقافيا وامتدادا اجتماعيا كبيرا، عبر آلاف المبتعثين السوريين الذي تزوجوا من مواطناتٍ روسيات، ويشكلون اليوم جزءًا مهماً من القاعدة المؤيدة للنظام. على العكس، ظلت علاقة إيران بسورية نخبوية، وبين نظامين، (الوضع مختلف قليلا في العراق)، ولم تتمكن إيران من اختراق المجتمع السوري، على الرغم من حملات التبشير المكثفة، حتى بين المؤيدين للنظام. وقد بدا ذلك واضحاً في تجاوب هؤلاء مع التدخل العسكري الروسي الذي لم يبد لهم بمثابة حبل إنقاذ من احتمال اكتساح المعارضة معاقلهم فحسب، بل أيضاً من محاولات إيران فرض قيمها وأسلوب حياتها عليهم. أما في العراق، فيبدو الجهل والخوف من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) حليفي إيران الرئيسين في السيطرة على قطاعات واسعة من الطبقات الفقيرة والمحرومة، في وسط العراق وجنوبه. لكن، إذا تخلص العراق من هذين العاملين، فأغلب الظن أن تنتصر الوطنية العربية العراقية على محاولات إيران "تفريس" مناطقهم. فوق ذلك، لا يبدو أن أميركا التي عادت إلى العراق، وقد أدركت خطأها في تسليمه لإيران عام 2011، مستعجلةً للخروج منه، بعد انتهاء الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، بدليل القواعد العسكرية الكبيرة التي تبنيها واشنطن في شمال العراق وغربه، فأي نصر هذا الذي تستعد إيران للاحتفاء به، وقد غدت روسيا تقاسمها سورية، فيما تجثو أميركا على صدرها في العراق.