"الولدُ للفِراش" والبحث عن حكومة مغربية

"الولدُ للفِراش" والبحث عن حكومة مغربية

13 ديسمبر 2016

لن تكون خكومة مغربية من دون بنكيران (6/10/2016/فرانس برس)

+ الخط -
"الولد للفراش" مصطلح اعتُمد في فقه الأسرة، للدّلالة على أن أيّ امرأةٍ حملت بطفل، وهي متزوّجة، حتى مع وجود شبهة خيانة زوجية، يُحسب الولد على فراش الزّوجية، حتّى لو كان الزّوج مسافرًا مدة تفوق سنة، ولا مجال لأن يكون أب الطفل، إلّا أنّه يحسب عليه. وذلك وفقًا للحديث النّبوي"الولد للفراش وللعاهر الحجر"، وكما يذهب إلى ذلك أئمّة فقه الأسرة.
هذا المصطلح الفقهي أدقّ ما يوصف الواقع المغربي الآني، والحمل الطويل الأمد الذي يعرفه النّسق السّياسي، الحمل الذي احتار معه الفقه القانوني، ولم نجد خيرًا من فقه الأسرة، لتحليله.
هذا النّسق الذي يجاهد، ظاهريًا، بأسنانه وأقدامه، لإنجاب حكومةٍ مصابةٍ بتشوّهات خلقية من دون جدوى. حكومة حسب المنطق غير شرعية، لأسبابٍ عديدة. منها أنّها تذهب إلى عقد تحالفاتٍ مع أطراف خاسرة في الصّناديق، ورابحة في ميزان القوى، أطراف كانت وفيّة لدورها في خدمة ما تسمّى الدّولة العميقة بوجوه مختلفة. ولأنّها تضرب عرض الحائط بنتائج الانتخابات، فالأب هنا "في عملية الإخصاب السّياسي" لإنجاب الحكومة، ليس الأب الشّرعي الذي أفرزته الانتخابات أخيراً.
لكن هذه الحكومة مع ذلك، تحسب شرعًا وفقهًا "قانونيًا" على حزب العدالة والتنمية، لأنّها تُعقد بزعامة الأمين العام للحزب، عبد الإله بنكيران، على الرغم من أن عرّابها الحقيقي، وأباها الفسيولوجي، هو عزيز أخنوش، رجل المرحلة الحالية في الدّولة العميقة. هذا الأخير سرق الأدوار من بنكيران، وأصبح الصّانع الحقيقي للشّرارات المؤدّية إلى تلاقحٍ حزبي هجين، يُنتظر منه إنجاب حكومة عرجاء منذ الآن.
فمع تعدّد الآباء الحقيقيين والمزيّفين، تنعدم الضّمانات لسيرٍ سليم لها. ولا فائدة من إجراء تحليل DNA، لأن الأب الحقيقي معروفٌ، على الرغم من عدم شرعيته، ويتصرّف على راحته أمام الأب المزعوم الذي يعبّر عن عجزه علانية، وعدم قدرته على إنجابِ حكومة للبلاد، ويشكو من أن هناك من يعرقل جهوده النّبيلة، لصالح الأب الفسيولوجي، عزيز أخنوش، الذي يعدّ من أبرز رجال الأعمال في المغرب، برئاسته المجموعة الاقتصادية "أكوا" المتخصّصة في مجالات
الطاقة (النفط والغاز والمواد الكيماوية)، والتي تضم حوالي 50 شركة تحت ظلّها. وتمتد إلى المجال الإعلامي، والتّطوير العقاري، والفنادق.
وبعد توسّعه الاقتصادي، امتدّ طموح أخنوش إلى المجال السياسي، ليصل المال بالسلطة، عبر تسلّقه إلى رئاسة حزب التّجمع الوطني للأحرار، أحد حلفاء بنكيران في حكومتيه السّابقتين، وحكومته القادمة، وفرض نفسه رجل المرحلة الجديد، غداة الانتخابات فقط.
وبما أن الاستعصاء في عمليّة مخاض الحكومة، قد تسبّب في حالة تذمر عام، حتى من الأطراف التي دعت إلى المقاطعة، فليس هناك أسوأ من حكومةٍ ضعيفة، إلّا وضعية اللّاحكومة، فأي حلّ سيكون موضع ترحيب. والواقع أن هذا الاستعصاء مقصود، والحديث السّائد عن إجراء انتخاباتٍ أخرى، مجرد تحضير للأسوأ، لحكومة فرانكشتاينية، يخيطها الطبيب/ الأب أخنوش على مقاس المرحلة، يصنع فيها من الحزب الفائز قدمين، تمنحانها الشّرعية، ومن الأحزاب الأخرى، سيكمل بقية الجسد الذي سيحرص على أن تكون أطرافه محكومة الارتباط بخيوطه التي ستمكّنه من تحريكها على راحته.
هكذا، مع الحديث عن إعادة الانتخابات، الأمر الذي يرفضه الجميع، حتى المتشائمون والمقاطعون والرّافضون سيتنفسون الصّعداء، حين ترى الحكومة الهجينة النّور، فحكومة عرجاء مشوّهة خير من لا حكومة.
ولا بأس إن دخلنا في مرحلة طويلة من التّجاذبات بين بنكيران الذي سيكون عاجزًا عن التّحكم في الوضع الذي يفترض أنه يسيّره، أكثر من أي وقت مضى، وستكون هذه التجربة عاملًا إضافيًا ومقصودًا للقضاء على شعبية حزبه، وبين العرّاب أخنوش الأمين العام لأحد أعرق الأحزاب الإدارية، وأكثرها قدرةً على الاستمرار وتغيير المعطف وفق متطلبّات المراحل السّياسية التي تخدم في ظلّها.
في الحكومات السّابقة، المؤلّفة وفق نتائج الانتخابات التّشريعية، وهنّ ثلاث، حكومة التّناوب برئاسة عبد الرحمن اليوسفي لسنة 1998، وحكومة عباس الفاسي لسنة 2007، وحكومة عبد الإله بنكيران الأولى لسنة 2012، كان "التّجمع" وبقية الأحزاب الإدارية التي يُفترض أن يُحدث معها المغرب قطيعةً نهائية، إذا كان يرغب في الانتقال إلى بيئةٍ شبه ديمقراطية، حاضرة بقوّة. وعلى الرغم من الاتّهامات التي أطلقها بنكيران على الأمين العام للتّجمع السّابق، صلاح الدين مزوار، إلا أنّه عقد تحالفًا مفاجئًا معه، وأصبح مزوار، "اللّص" السابق في نظر بنكيران، وزيرًا لخارجيته رغمًا عنه.
وبما أنّ سيناريو 2002 يبدو غير ممكن، حين انتهت تجربة التناوب التوافقي، بقرار الملك محمد السادس تعيين إدريس جطو وزيرًا أول من خارج الأحزاب السياسية، في 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2002 بعد عدم إفراز انتخابات 2002 أغلبية واضحة، وعدم قدرة الأحزاب الممتلكة نسباً كبيرة من المقاعد من تكوين أغلبية. بما أنّ دستور 1996 لم يكن يفرض على الملك تعيين الوزير الأول من الحزب الفائز، على خلاف ما بات منصوصًا عليه في دستور 2011.
بل كانت الأسماء في الحكومات تقترح من القصر، على الوزير الأول المكلّف بتشكيل الحكومة. فمثلا في حكومة عباس الفاسي، حمل أحد مستشاري الملك ورقة تضم لائحة الوزراء الذين "يقترحهم" المستشار الملكي على الفاسي، كي "يقترحهم" بدوره على الملك.
إذن، بالنّظر إلى عدم إمكانية ذلك، ولامنطقية الخيارات الأخرى، من قبيل التّحكيم الملكي الذي طالب به بعضهم، بما أن التحكيم سيؤدي إلى إعفاء بنكيران من تشكيل الحكومة، وهو أمر غير ممكن، لأنه يتعارض مع الدستور الذي يطرح خيارًا واحدًا لتشكيل الحكومة، وهو تكليف الأمين العام للحزب الفائز بالانتخابات. كما لا يمكن حلّ البرلمان وإجراء انتخابات أخرى مكلفة ماديًا، وقد لا تحمل خياراتٍ أخرى غير المطروحة الآن.
كما أنّ خيار تكليف أمين عام حزب آخر، غير ممكن للسّبب السّابق نفسه، ما يعني أنّه لن تكون هناك حكومة من دون بنكيران. والبديل سيكون في التّركيبة الحكومية التي لن تخدمه كثيرًا، وستضرب عصفورين بحجر واحد. ضرب مصداقية بنكيران وحزبه، بشكل لن يسمح بتكرار فوزه في مرات قادمة، وتشكّل خيارًا ثانيًا للدّولة العميقة، بعد فشل الخطة "ألف" التي كانت تتمثل في إلياس العماري، وحزب الأصالة والمعاصرة.
596D72F8-6B45-4709-8735-7AC0F35F2CE1
596D72F8-6B45-4709-8735-7AC0F35F2CE1
عائشة بلحاج

كاتبة وصحافية وشاعرة مغربية

عائشة بلحاج