الجمهوريون أيضاً ضد ترامب

الجمهوريون أيضاً ضد ترامب

12 ديسمبر 2016
+ الخط -
يواجه دونالد ترامب حملةً مضادةً يشنها عليه الديمقراطيون والجمهوريون معاً. وهي المرة الأولى التي يحظى فيها رئيس أميركي بهذا الإجماع السلبي ضده من الحزبين الرئيسيين في الوقت نفسه، قبل أن يدلف إلى البيت الأبيض. فالحزبان الرئيسيان في الولايات المتحدة يتفقان على العداء لترامب، لأسبابٍ متعدّدة. أهمها عقليته التجارية ومنطقه الشعبوي. وينذر هذا التوافق النادر بين الديمقراطيين والجمهوريين بأيام صعبة تنتظر ترامب، ليس فقط بعد أن يتولى مقاليد الرئاسة، لكن أيضاً قبل ذلك. إلى حدٍّ ربما يحول دون وصوله إلى البيت الأبيض أساساً. فقد تجاوزت التحفظات العلنية على فوز ترامب حدود المفاجأة والقلق، ووصلت إلى تحركاتٍ فعلية ضده. قد لا تُفضي بالضرورة إلى منعه عن دخول البيت الأبيض، لكنها بالتأكيد تضعه تحت ضغوط سياسية ونفسية. خصوصاً عندما تتعلق تلك الضغوط بالتشكيك في الطريقة التي فاز بها، سواء من المنظور الأخلاقي أو في المردود السياسي، وبالتالي، مدى أحقيته في رئاسة الولايات المتحدة الأميركية.
بدأت عملية تقويض "جدارة" ترامب منذ إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. عندما اتضح أن اتجاهات تصويت غالبية أعضاء المجمع الانتخابي (لصالح ترامب)، خالفت التصويت الفعلي للناخبين الذين منحوا هيلاري كلينتون تفوقاً بفارق كبير عن ترامب، ما يعني أن ترامب لم يكن هو اختيار ملايين الناخبين الأميركيين.
ثم جاءت اختيارات ترامب فريقه الرئاسي، لتؤكد من جهة شواهد القلق من توجهاته، وتكشف، من جهة أخرى، أن ترامب الذي حرص على الابتعاد عن الجمهوريين، وقدّم نفسه للأميركيين بشكل مستقل غير حزبي، اضطر إلى الاستعانة ببعض كوادر الحزب في فريقه الرئاسي، لتخفيف حدة انتقادات الجمهوريين له. وبدلاً من أن يؤدي ذلك إلى تقليل المخاوف من إدارة ترامب المرتقبة، كانت النتيجة مزيداً من القلق والخشية من توجهات عدوانية، تعيد أجواء المحافظين الجدد في عهد إدارة بوش الابن.
ومنذ يومين، وجهت وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) ضربةً جديدة إلى ترامب، بتسريب تقريرٍ قدمته الوكالة لأوباما عن تدخلات روسية غير مشروعة، ربما تكون أثرت على العملية الانتخابية التي جاءت بترامب رئيساً. وحدّدت أفراداً على صلة بالحكومة الروسية، قالت إنهم سربوا آلاف الرسائل الإلكترونية، بعد اختراق حسابات اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي، وعدد من مسؤولي حملة هيلاري كلينتون الانتخابية. وهي مسألة ذات حساسية كبيرة، وأثارت ردود فعل قوية داخل الأوساط الجمهورية والديمقراطية على حد سواء، فقد اعتبر سياسيون بارزون من الحزب الجمهوري، منهم رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، أن الأمر ليس جديداً، وأن الروس يخترقون حسابات إلكترونية لساسة أميركيين منذ سنوات.
أمر باراك أوباما بتحقيقٍ واسع في هذه المسألة، وإعداد تقرير بنتائج التحقيق قبل تسليم الرئاسة إلى ترامب في 20 يناير/ كانون الثاني المقبل، لكن الكونغرس لم يكتف بخطوة أوباما، حيث يقود الجمهوريان، ليندسي جراهام وجون ماكين، حملة داخل الكونغرس للتحقيق في الانتهاكات الروسية، بينما يستعد الديمقراطيون في مجلس النواب لتشكيل لجنة تحقيق مستقلةٍ على غرار اللجنة المختصة بأحداث "11 سبتمبر".
تلك هي الأجواء التي تواجه ترامب حالياً، وهي مُلبّدة بما يكفي لكبح جماحه وترشيد توجهاته، بعد دخوله البيت الأبيض. وهي أيضاً معقّدة ومفتوحة على كل الاحتمالات، بما فيها حرمان ترامب من مقعد الرئاسة، إذا غير بعض أعضاء المجمع الانتخابي قرارهم، والاستجابة لنتائج تصويت الناخبين، والرفض السائد لترامب في أوساط الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء. لكن، حتى لو لم تحدث تلك المفاجأة، سيكون على ترامب مراجعة نفسه، والعمل على إرضاء الأميركيين الذين لم ينتخبوه. فهم الأغلبية، ساسة أو مواطنون، جمهوريون وديمقراطيون.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.