السودان والعصيان

السودان والعصيان

11 ديسمبر 2016
+ الخط -
بعد تجربةٍ سابقةٍ، تباينت الآراء بشأن نجاحها، جدّد ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي في السودان دعوات لقيام عصيان مدني جديد في 19 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، في ذكرى إعلان استقلال السودان، من داخل البرلمان.
تعكس الدعوة الجديدة إصرار الناشطين على مطالبهم الخاصة بإعادة النظر في القرارات الاقتصادية الأخيرة لحكومة الرئيس عمر البشير، وتسببّت في زيادة أسعار الوقود والدواء وتذاكر الطيران. كما رفع بعض الشباب سقف مطالبهم، داعين بوضوح إلى رحيل النظام. اللافت أنّ حزب المؤتمر الوطني (الحاكم) لم يتعامل باستخفافٍ أو سخريةٍ مع الحراك الشبابي كما كان يحدث سابقاً، إذ أبدى شباب الحزب الحاكم استعدادهم للحوار مع دعاة العصيان المدني، وناشد بيان آخر للحزب المواطنين، وحثّهم على عدم الاستجابة لدعوات العصيان.
تشير ردّة الفعل الأخيرة إلى تغيّر ملحوظ في تعامل النظام الحاكم مع الحراك المعارض، حيث يمكن اعتبار هذه اللهجة غير المعهودة تنازلاً واعترافاً من النظام بنجاح العصيان المدني الذي شهده الشهر الماضي، على الرغم من تأكيدات الرئيس البشير وتصريحاته لصحيفة إماراتية، وقد اعتبر فيها أنّ "العصيان فشل بنسبة مليون في المئة"، على حدّ تعبيره.
هناك مؤشر آخر، يشير بوضوح إلى نجاح مبكّر يتوّقع أن تحصده حملة العصيان الجديدة، هو اعتذار البلابل (فرقة غنائية نسائية من ثلاث شقيقات) عن حفلٍ غنائيٍّ، كان من المفترض أن يُقام في  الموعد نفسه (19 ديسمبر)، إذ نشرت المجموعة الغنائية تدوينةً على حسابها في "فيسبوك"، تعلن فيه اعتذارها عن قيام الحفل في موعده، وقد بادر عدد من الشباب بالاتصال هاتفياً بالشقيقات فأكدنّ صحة المعلومة.
على الرغم من ذلك، هناك صعوباتٌ قد تقلّل من نجاح العصيان المرتقب، تتمثّل في عدم وجود قيادة واضحة حتى الآن لهذا الحراك الشبابي، في ظلّ رفض قطاعاتٍ عريضة من الشعب السوداني أحزاب المعارضة التي يعتبرها بعضهم لا تقلّ سوءاً وفشلاً عن الحزب الحاكم. بجانب ذلك، يتخوّف موظفون وعمال عديدون في القطاع الحكومي من اتخاذ رؤسائهم إجراءات انتقامية في مواجهتهم، بسبب الغياب عن العمل، كما حدث لمشاركين في العصيان السابق، على الرغم من أنّ قانون الخدمة المدنية والعمل يسمحان بحرية التعبير والاحتجاج بصورة سلمية.
اعتقال الناشطين ومصادرة الصحف التي لا تتبنّى الرواية الرسمية للحكومة، ربما يؤّثر أيضاً على نجاح الحملة، لكن التعبئة الإعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي مستمرة على نطاق واسع، ما يشير إلى التأثير الكبير لهذه الوسائط التي كشفت مدى قوة الإعلام البديل وتوجيهه الرأي العام في السودان، في مقابل عجز الحزب الحاكم وأذرعه الإعلامية، على الرغم من الإمكانات الهائلة التي يتمتع بها.
مثل هذه الحملات، حتى وإن فشلت في تحقيق أهدافها بشكل كامل، فإنّها تؤثر سلباً على صورة الحكومة في الخارج، لأنّ الإعلام البديل لا يعرف الحدود، فقد شارك في حملة "أعيدوا الدعم إلى الأدوية" عدد من مشاهير الإعلام العرب، وتصدّر الهاشتاغ المؤّيد للحملة موقع "تويتر" ثلاثة أيام، ما دفع الحكومة إلى عقد مؤتمر صحفي (يوم الجمعة!) أعلن فيه وزير الصحة التراجع عن زيادة أسعار بعض أصناف الدواء.
إلى جانب ذلك، تؤدي هذه الحملات الإعلامية إلى إرباك الأجهزة الحكومية وشلّ حركتها، حتى وإن حضر الموظفون إلى مقار عملهم، حيث إنّ مرافق كثيرة يرتبط عملها بالجمهور، مثل المصارف والضرائب والجوازات والمحليات.
الحكومة السودانية في وضع لا تحسد عليه، حصار من كل الجوانب، اقتصاد مُنهار وخزائن خاوية، إضافة إلى تهاوي سعر العملة الوطنية أمام الدولار، دفع الحكومة إلى استجداء الدول الشقيقة من أجل المساعدة، فضلاً عن تزايد السخط العام، وسط الشعب الذي يرى أنّ النظام الحاكم يُحمِّله نتائج فشله الاقتصادي والسياسي، من دون أن يكون هناك أمل في تحسّن الأوضاع أو تغيّرها، فماذا يمكن أن يحدث يوم 19 ديسمبر؟
لننتظر ونرَ ما ستسفر عنه التطورات.
71F29908-DD1C-4C71-A77C-041E103F4213
71F29908-DD1C-4C71-A77C-041E103F4213
محمد مصطفى جامع
كاتب سوداني.
محمد مصطفى جامع