سورية والتحول من نظام رئاسي إلى برلماني

سورية والتحول من نظام رئاسي إلى برلماني

06 نوفمبر 2016
+ الخط -
تبدو المبادرات الأوروبية تتحرك في مساحة ضيّقة، لكنها، في الوقت نفسه، المساحة المعنيّة باتخاذ قرار في الحرب السورية موقعاً، والمتعددة الجنسيات واقعاً، فحراك فيدريكا موغريني (منسّقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي)، أخيراً، باتجاه طهران ثم الرياض، قد ينمّ عن انفراجةٍ ما ربما تتوقّعها السيدة المنسّقة، بحيث تتمكّن من خلالها من العبور باتجاه حل سياسي، بتحويل الحديث عن مصير الأسد إلى حديثٍ آخر، يتعلق ربما بشكل النظام الجديد للدولة السورية.
البحث فيما وراء ما تطرحه المبادرة الأوروبية، بخصوص قابلية الحديث عن نظام جديد للحكم في سورية، والذي يبدأ من إيران، وهي الطرف المعني مباشرةً بتحديد مصير الرئيس السوري، والتعامل مع تحديد صلاحياته، وبعدها في عواصم دول مؤثّرة على الجانب الآخر من الحل، مثل الرياض، ولاحقاً أنقرة وربما الدوحة، تجري ضمن حلقة تواصل مع المبعوث الأممي، ستيفان ديميستورا، أيضاً، الذي لن يدخر جهداً في لقاءاته المتنوعة مع أطيافٍ معارضة وشبه معارضة وموالاة في استشراف رؤيتهم وقابليتهم للتفكير من جديد، بشكل عملي وبراغماتي، في خرق حالة المراوحة في المكان، والغرق باتجاه الاستعصاء الكلي الذي ظل يتمحور حول مصير الأسد.
وبعيدا عن حالة "الفوبيا" التي تراودنا، أو معظمنا، من كل طرحٍ جديد يخالف أو يختلف عن تصوراتنا للحل السياسي، لا بد من التمعّن بالأفكار أو الاقتراحات المطروحة، ومراجعة اختباراتها التاريخية، ما يفيد بعقد مقارناتٍ واقعيةٍ بين ما تطرحه المبادرة، بخصوص تحويل النظام السياسي في سورية إلى نوع من حكم برلماني أو رئاسي ـ برلماني، علماً أن سورية مرّت بفترة حكم مماثلة، بعد الاستقلال عام 1946 وقبل حكم حزب البعث في 1963.
اللافت أن رؤية المعارضة التي قدمت في مؤتمر لندن (يوليو/ تموز 2016) تتحدث عن نظام حكم رئاسي بكل معنى الكلمة، ما يفسّر تعاملها مع صلاحيات الرئاسة التي ترغب بانتقالها من يد الأسد إلى هيئة حكم انتقالية غير محددة الملامح، بعبارة "كاملة الصلاحيات"، من دون التفحص في معاني هاتين الكلمتين أو تداعياتهما.
بديهي أن الأمر يتطلب نزع صلاحيات الرئيس، والانتهاء من حكم الاستبداد، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، أو الذي يطرح على المعارضة التي قدمت تلك الرؤية، ما هي ضمانة عدم إعادة إنتاج الاستبداد، مع رئيس آخر، أو مع طغمة حاكمة أخرى؟
الواقع أن الثورة السورية، وهذا ما يسهو عنه كثيرون، مطالبة ليس فقط بإنهاء حكم الاستبداد،
وإنما بالتأسيس لنظام حكم آخر، يضمن عدم إعادة إنتاجه أيضا، وهذا لا يمكن حسمه، أو القطع معه، إلا بوضع دستور جديد لنظام حكم جديد، يؤسس لدولة المواطنين الأحرار المتساوين، دولة المؤسسات والقانون، وليست دولة الرئيس أو الحاكم. وبديهي أن ينصّ هذا الدستور على الفصل بين السلطات، التشريعية والقضائية والتنفيذية، والتسليم بأن السلطة والسيادة هي للشعب من خلال ممثليه المنتخبين، وفق قانون انتخابي جديد، يقوم على التمثيل النسبي الذي يتيح أوسع مشاركةٍ سياسيةٍ وأوسع تمثيل، ويضمن عدم هيمنة طرفٍ على طرف آخر، أغلبية أو أقلية، إضافة إلى التأكيد على مبدأ تداول السلطة، والحق في المشاركة السياسية، وضمنها حرية الأحزاب ووسائل الإعلام.
عدم إعادة إنتاج نظام الرئيس، أو الحاكم الفرد، يتطلب ـ أيضاً، ليس انتزاع الصلاحيات منه، وتكريس الفصل بين السلطات، فحسب، إذ يفترض أن يتم حسم ذلك عبر التخلّي عن النظام الرئاسي، والتحوّل نحو نظام برلماني، بحيث يصبح الرئيس في منصب بروتوكولي، ويقوم بتكليف الجهة (الحزب أو الائتلاف) الأكثر تمثيلاً في البرلمان برئاسة الحكومة، وتسيير دفة الحكم. يمكن أن يحصل الأمر نفسه، أيضا، مع وجود نظام رئاسي وبرلماني، بحيث يتم تقسيم الصلاحيات بين الرئيس المنتخب من الشعب، ورئيس الحكومة (المنتخب من البرلمان)، وقد يحصل أن الرئيسين من حزب واحد أو من حزبين مختلفين، على غرار ما يجري في الجمهورية الفرنسية. وطبعا، يمنع هذا النظام تمركز السلطة عند أيّ من الرئيسين، ويمكن أن يضفي نوعاً من الحيوية على النظام السياسي، ويعزّز من وضع السلطة في حقل التداول، كما يعزّز من شأن المشاركة السياسية.
من المفيد إدراك أنه لا يوجد نظام سياسي لا يوجد فيه عيوب، أو لا توجد فيه سلبيات، وهذا
بديهي، لكننا هنا نتحدث عن النظام الأقل سوءا، أو الأقل سلبيةً، أو الأكثر تناسباً مع أوضاعنا على ضوء التجربة التي عشناها، واختبرناها وجرّت علينا كل هذه الكوارث.
ما أقصده أن على المعارضة السورية أن تتلقّف مثل هذه المبادرة، بل وعليها أن تتبناها، وهذا يجعلني أطرح سؤالاً عن أسباب عدم تفكير المعارضة من الأساس بهذا المخرج الذي يجنّب الصراع السوري عقدة كبيرة، تتمثل في موقع الرئاسة، ولا سيما أن الثورة السورية لم تستطع إسقاط النظام، وأن الوضع الدولي والإقليمي لا يسير وفقاً لأطروحاتها؟
المساعي الأوروبية بشأن فتح آفاق إيجاد شكل جديد لحكم سورية، والذي لا بد سيجد صداه عند المبعوث الأممي ديميستورا وفريقه، وبناءً على الملاحظات التي أبدتها بعض القوى السياسية على رؤية المعارضة للحل، وخصوصاً فيما يتعلق بشكل الحكم الرئاسي والصلاحيات الواسعة للهيئة الانتقالية التي من المفترض أن تحل مكان الرئيس، من دون رقيب عليها من أي جهة كانت، بما في ذلك المؤتمر الوطني، يضعنا، نحن المعارضة، أمام مسؤولياتنا في التعاطي الإيجابي مع فكرة عدم تركيز السلطات والصلاحيات بيد شخص، أو حتى جهة، لنستطيع تحقيق الغاية الأساسية للثورة، وهي إسقاط منظومة النظام الذهنية أولاً، كي لا يكون منتج الثورة مجرد تغيير أسدٍ لإنتاج غابة من الأسود التي تتأهّب للوثوب.
‪ ‬‬‬‬
930EB9D8-8BB0-4CDA-8954-FE630C4A380F
سميرة المسالمة

كاتبة وصحافية سورية، رئيسة تحرير جريدة تشرين سابقاً، نائب رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية